الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } * { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } * { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىۤ أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّي شَقِيّاً } * { فَلَمَّا ٱعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهْم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً }

لما حكى الله تعالى ما قال ابراهيم لأبيه، وتوبيخه له على عبادة الاصنام، وتقريعه اياه على ذلك، حكى في هذه الآيات ما أجاب به أبوه، فانه قال له يا ابراهيم { أراغب أنت عن آلهتي } ومعناه أزاهد في عبادة آلهتي، والرغبة اجتلاب الشيء لما فيه من المنفعة. والرغبة فيه نقيض الرغبة عنه. والترغيب الدعاء الى الرغبة فى الشيء. ثم قال له مهدداً { لئن لم تنته } أي لم تمتنع من ذلك، يقال نهاه فانتهى. واصله النهاية، فالنهي زجر عن الخروج عن النهاية المذكورة. والتناهي بلوغ نهاية الحد. وقوله { لأرجمنك } قال الحسن: معناه لارمينّك بالحجارة حتى تباعد عني. وقال السدي وابن جريج والضحاك: معناه لأرمينك بالذم والعيب. وقوله { واهجرني ملياً } قيل فى معناه قولان:

قال الحسن ومجاهد { ملياً } دهراً [قال الفراء: ويقال: كنت عنده ملوة وملوة وملوة - بتثليث الميم - وملاوة بالفتح وملاوة بالضم أي] دهراً ملاوة، وكله من طول المقام وبه قال سعيد بن جبير والسدي، وهو بمعنى الملاوة من الزمان وهو الطويل منه.

والثاني - قال ابن عباس وقتادة وعطية والضحاك: معنى { ملياً } سوياً سليماً من عقوبتي، وهو من قولهم: فلان مليّ بهذا الأمر إذا كان كامل الأمر فيه مضطلعاً به، فقال له ابراهيم { سلام عليك } أي سلامة عليك، أي اكرام وبر بحق الأبوة وشكر التربية. وقال ذلك على وضع التواضع له ولين الجانب لموضعه { سأستغفر لك ربي } قال قوم: انما وعده بالاستغفار على مقتضى العقل، ولم يَكن قد استقر بعد قبح الاستغفار للمشركين. وقال قوم: معناه سأستغفر لك إذا تركت عبادة الأوثان وأخلصت العبادة لله تعالى. ومعنى قوله { إنه كان بي حفياً } إن الله كان عالماً بي لطيفاً، والخفي اللطيف بعموم النعمة، يقال: تخفني فلان إذا اكرمني وألطفني، وحفي فلان بفلان حفاوة إذا ابره وألطفه. والحفى أذى يلحق باطن القدم للطفه عن المشي بغير نعل

ثم قال { وأعتزلكم } أي اتنحى عنكم جانباً، واعتزل عبادة { ما تدعون من دون الله. وادعوا ربي } وحده { عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقياً }.

وقوله { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله } قيل انه اعتزلهم بأن خرج الى ناحية الشام { وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاًّ جعلنا نبياً } أي لما اعتزلهم آنسنا وحشته بأولاد كرام على الله رسل لله، وجعلناهم كلهم أنبياء معظيمن { ووهبنا لهم من رحمتنا } أي من نعمتنا { وجعلنا لهم لسان صدق عليا } قال ابن عباس والحسن: معناه الثناء الجميل الحسن من جميع أهل الملل، لان أهل الملل على اختلافهم يحسنون الثناء عليهم، وتقول العرب: جاءني لسان من فلان تعنى مدحه أو ذمه قال عامر ابن الحارث:
اني اتتني لسان لا اسربها   من علو لا عجب منها ولا سخر
جاءت مرجّمة قد كنت احذرها   لو كان ينفعني الاشفاق والحذر
وقيل: معناه انا جعلناهم رسل الله يصدقون عليه أعالي الصفات.