الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً }

قرأ ابو عمرو والكسائي " يرثني " جزماً على أنه جواب الأمر. الباقون بالرفع على أنه صفة لـ { ولياً }. فمن رفع قال " ولياً " نكرة فجعل " يرثني " صلة له، كما تقول أعرني دابة اركبها، ولو كان الاسم معرفة، لكان الاختيار الجزم، كقولهفذروها تأكل في أرض الله } والنكرة كقولهخذ من أموالهم صدقة تطهرهم } وقال مجاهد: من جزم جاز ان يقف على " ولياً ". ومن رفع لم يجز لانه صلة، ولان المفسرين قالوا: تقديره " هب لي " الذي " يرثني " أي وارثاً فكل ذلك يقوّي الرفع.

حكى الله تعالى ما نادى به زكريا ودعى ربه به، وهو أن قال { رب } أي يا رب وأصله ربي، وانما حذف الياء تخفيفاً وبقيت الكسرة تدل عليها { إني وهن العظم مني } أي ضعف، والوهن الضعف، وهو نقصان القوة، يقال: وهن الرجل يهن وهناً إذا ضعف. ومنه قولهولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون } وإنما اضاف الوهن الى العظم، لأن العظم مع صلابته إذا كبر ضعف، وتناقص، فكيف باللحم والعصب. وقيل شكى البطش وهو قلة العطس وهو لا يكون إلا بالعظم. وقوله { واشتعل الرأس شيباً } معناه انتشر الشيب في الرأس، كما ينتشر شعاع النار، وهو من أحسن الاستعارات. والاشتعال انتشار شعاع النار، والشيب مخالطة الشعر الابيض للاسود في الرأس وغيره من البدن، وهو مثل الشائب الذي يخالط الشيء من غيره { ولم أكن بدعائك رب شقياً } تمام حكاية ما دعا به زكريا، وانه قال لم اكن يا رب بدعائي اياك شقياً أي كنت ادعوك وحدك واعترف بتوحيدك. وقيل معناه اني إذا دعوتك اجبتني، والدعاء طلب الفعل من المدعو، وفي مقابلته الاجابة، كما أن فى مقابلة الأمر الطاعة. ويحتمل نصب " شيباً " أمرين:

احدهما - ان يكون نصباً على المصدر كأنه قال شاب شيباً.

والثاني - التمييز كقولهم تصببت عرقاً وامتلأت ماء وقوله { وإني خفت الموالي من ورائي } قال مجاهد وأبو صالح، والسدي: الموالي ها هنا العصبة. وقيل خفت الموالي بني عمي على الدين، لانهم كانوا شرار بني اسرائيل، وانما قيل لبني العم موالي لأنهم الذين يلونه فى النسب بعد الصلب. وقيل معنى الموالي الأولياء ان يرثوا علمي دون من كان من نسلي وانشدوا في أن الموالي بنو العم قول الشاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا   لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
والمولى المِعتق، والمَعتق، والمولى الناصر، والمولى الولي والمولى الاولى.

وروي عن عثمان أنه قرأ { وإني خفت الموالي } بفتح الخاء وتشديد الفاء.

وقوله { وكانت امرأتي عاقراً } يعني لا تلد، ويقال للمرأة التي لا تلد: عاقر والرجل الذي لا يولد له: عاقر قال الشاعر:

السابقالتالي
2 3