الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِٱلصَّلاَةِ وَٱلزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً } * { وَبَرّاً بِوَٰلِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً } * { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } * { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ } * { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

قرأ الكسائي " آتاني، وأوصاني " بالامالة. الباقون بالتفخيم، فمن أمال، فلان هذه الألف تنقلب ياء في (أوصيت) فأمال لمكان الياء. ومن لم يمل، فلمكان الألف. والامالة في { آتاني } احسن من الامالة فى (أوصاني) لأن فى (أوصاني) حرفاً مستعلياً يمنع من الامالة، ومع ذلك، فهو جائز كصفي وطغي. وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب { قول الحق } بالنصب على المصدر. الباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء. وتقديره ذلك الذي تلوناه من صفته { قول الحق } وقيل هو تابع لـ (عيسى) كأنه قيل كلمة الحق وروي عن عبد الله انه قرأ " قول الحاقّ " بمعنى قول الحق ومعناه يحق نحو العاب والعيب والذام والذيم.

لما حكى الله تعالى عن عيسى أنه قال لقومه { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً } أخبر أنه قال { وجعلني مباركاً } قال مجاهد: معناه معلماً للخير اينما كنت. وقيل نفاعاً، والبركة نماء الخير، والمبارك الذى ينمى الخير به. والتبرك طلب البركة بالشيء وأصله التبرك من البرك وهو ثبوت الطير على الماء.

وقوله { وأوصانى بالصلاة والزكاة } معناه أمرني بهما. والوصية التقدم فى الأمر الذى يكون بعدما وقت له، كتقدم الانسان في التدبير بعد خروجه، وكتقدمه في أموره بعد موته. والصلاة فى أصل اللغة: الدعاء، وفي الشرع عبارة عن هذه العبادة التي فيها الركوع والسجود. وقيل عبارة عن عبادة افتتاحها التكبير وخاتمتها التسليم. وقيل في معنى الزكاة - ها هنا - قولان: احدهما - زكوة المال. والثاني - التطهير من الذنوب.

{ ما دمت حياً } أي أوصاني بذلك مدة حياتي { وبراً بوالدتي } أى واوصانى بأن اكون باراً بوالدتي أي محسناً إليها { ولم يجعلني جباراً } أى متجبراً، لم يحكم علي بالتجبر، والشقاء، ولم يسمني بذلك { والسلام علي } أى والرحمة من الله بالسلامة والنعمة بها علي { يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حياً }.

وقوله { ذلك عيسى ابن مريم قول الحق } أى الذى تلوناه من صفة عيسى { قول الحق } أى كلمة الحق { الذى فيه يمترون } اى يشكون فيه { ما كان لله أن يتخذ من ولد } اخبار منه تعالى بأنه لم يكن لله أن يتخذ من ولد على ما يقوله النصارى. ثم قال منزها لنفسه عن ذلك { سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } اى يفعله لا يشق عليه بمنزلة ما يقال كن فيكون، وقد بينا فيما مضى وحكينا ما قال بعضهم إنّ قول (كن) عند خلق ما يريد خلقه ليعلم الملائكة أنه لا يتعذر عليه شيء يريد فعله.

والسلام مصدر سلمت سلاماً، ومعناه عموم العافية والسلامة. والسلام جمع سلامة. والسلام اسم من اسماء الله وسلام يبتدأ به في النكرة، لانه يكثر استعماله، تقول: سلام عليكم والسلام عليكم، وأسماء الاجناس يحسن الابتداء بها، لأن فائدتها واحدة، ولما جرى ذكر (سلام) أعيد - ها هنا - بالألف واللام ليرد على الاول.