الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً } * { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } * { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } * { وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً }

قرأ حمزة وحفص عن عاصم { نسياً } بفتح النون. الباقون بكسرها، وهما لغتان. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص { من تحتها } على أن (من) حرف جر. الباقون { من تحتها } يعني الذي تحتها قال ابو عليّ النحوي: ليس المراد بقوله { من تحتها } الجهة السفلى، وانما المراد من دونها، بدلالة قوله { قد جعل ربك تحتك سرياً } ولم يكن النهر محاذياً لهذه الجهة، وإنما المعنى جعل دونك.

وقرأ " تساقط " - بالتاء وضمها، وكسر القاف مخففه السين - حفص عن عاصم. وقرأ حمزة " تساقط " بفتح التاء وتخفيف السين. الباقون، وهم ابن كثير ونافع وابو عمرو وابن عامر والكسائي وابو بكر عن عاصم، بفتح التاء وتشديد السين وفتح القاف. وقرأ يعقوب والعليمي ونصير - بياء مفتوحة، وتشديد السين وفتح القاف - وكلهم جزم الطاء.

حكى الله تعالى ما قال لها جبرائيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة { قال كذلك } يعني الله تعالى قال ذلك { قال ربك هوعلي هين } أي سهل متأت لا يشق علي ذلك { ولنجعله آية للناس } أي نجعل خلقه من غير ذكر آية باهرة، وعلامة ظاهرة للناس { ورحمة منا } أي ونجعله نعمة من عندنا { وكان أمراً مقضياً } أي وكان خلق عيسى من غير ذكر أمراً قضاه الله وقدره وحتم كونه أي هو المحكوم بأنه يكون، وما قضاه الله بأنه كائن، فلا بد من كونه.

وقوله { فحملته } يعني حملت عيسى فى بطنها، والحمل رفع الشيء من كانه، وقد يكون رفع الانسان في مجلسه، فيخرج عن حد الحمل. ويقال له (حمل) بكسر الحاء لما يكون على الظهر، وبالفتح لما يكون في البطن { فانتبذت به مكاناً قصياً } أي انفردت به مكاناً بعيداً، ومعناه قاصياً، وهو خلاف الداني. قال الزاجز:
لتقعدن مقعد القصي   مني كذي القاذورة المقلي
يقال قصا المكان يقصوه قصواً إذا تباعد، واقصيت الشيء إذا أبعدته، واخرته اقصاء. وقوله { فأجاءها المخاض } أي جاء بها المخاض وهو مما يعدى تارة بالباء وأخرى بالالف. مثل ذهبت به وأذهبته وآتيتك بعمرو وآتيتك عمراً. وخرجت به وأخرجته قال زهير:
وجار سار معتمداً اليكم   أجاءته المخافة والرجاء
أي جاءت به. قال الكسائي تميم تقول: ما أجاءك الى هذا وما أشاء بك اليه. أي صيرك تشاء. ومن أمثالهم (شر أجاءك الى مخة عرقوب) وتميم تقول: شر أشاءك الى مخة عرقوب. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: معنى { فأجاءها } الجأها. وقال السدي: إنها قالت في حال الطلق { يا ليتني مت قبل هذا } استحياء من الناس { وكنت نسياً منسياً } فالنسي الشيء المتروك حتى ينسى - بالفتح والكسر - مثل الوتر والوتر. وقيل النسي - بالفتح - المصدر، يقال: نسيت الشيء نسياً ونسياناً - وبالكسر - الاسم إذا كان لقي لا يؤبه به، وقيل النسي خرقة الحيض التي تلقيها المرأة، قال الشاعر:

السابقالتالي
2