الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }

قرأ { الصدفين } - بضم الصاد والدال - ابن كثير، وابو عمرو، وابن عامر، الباقون - بفتح الصاد والدال - إلا أبا بكر عن عاصم، فانه ضم الصاد وسكن الدال. وقرأ أهل الكوفة إلا حفصاً { قال آتوني } قصراً. الباقون ممدوداً. وقرأ حمزة وحده { فما اسّطاعوا } مشددة الطاء بالادغام، وهو ضعيف - عند جميع النحويين - لان فيه جمعاً بين ساكنين.

حكى الله تعالى عن ذي القرنين أنه قال للقوم الذين شكوا اليه فساد ياجوج وماجوج فى الارض وبذلوا له المال، فلم يقبله، وقال لهم اعينوني برجال واعطوني وجيئوا بزبر الحديد، لا عمل منه - في وجوه ياجوج وماجوج - الردم.

والزبرة الجملة المجتمعة من الحديد والصفر ونحوهما، واصله الاجتماع، ومنه (الزبور) وزبرت الكتاب إذا كتبته، لانك جمعت حروفه. والحديد معروف حددته تحديداً إذا أرهتفه، ومنه حد الشيء نهايته. وقال ابن عباس ومجاهد: زبر الحديد قطع الحديد. وقال قتادة: فلق الحديد.

وقوله { حتى إذا ساوى بين الصدفين } تقديره انهم جاؤا بزبر الحديد وطرحوه حتى إذا ساوى بين الصدفين مما جعل بينهما أي وازى رؤسهما. والصدفان جبلان - في قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وابراهيم - وقيل: هما جبلان كل واحد منهما منعزل عن الآخر كأنه قد صدف عنه، وفيه ثلاث لغات - ضم الصاد والدال وفتحهما وتسكين الدال وضم الصاد - فال الراجز:
قد أخذت ما بين عرض الصدفين   ناحيتيها وأعالي الركنين
وقال ابو عبيدة: الصدفان جانبا الجبل. وقوله { قال انفخوا } يعني قال ذو القرنين انفخوا النار على الحديد، والزبر فنفخوا { حتى إذا جعله ناراً } أي مائعاً مثل النار، قال لهم { آتوني } أي اعطوني. وقرئ بقطع الهمزة ووصلها، فمن قطع، فعلى ما قلناه، ومن وصل خفض وقصر، وقيل معناه جيؤني { أفرغ عليه قطراً } نصب { قطراً } بـ { أفرغ } ولو نصبه بـ { آتوني } لقال أفرغه. والقطر النحاس فى قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة - وأراد بذلك أن يلزمه. وقال ابو عبيدة: القطر الحديد المذاب وانشد:
حساماً كلون الملح صاف حديده   جرازاً من اقطار الحديد المنعت
وقال قوم: هو الرصاص النقر، واصله القطر، وكل ذلك إذا أذيب قطر كما يقطر الماء.

وقوله فما اسطاعوا أن يظهروه أي لم يقدروا أن يعلوه { وما استطاعوا له نقباً } من اسفله - في قول قتادة.

وفي (استطاع) ثلاث لغات، استطاع يستطيع، واسطاع يسطيع، بحذف التاء، واستاع يستيع بحذف الطاء، استثقلوا اجتماعهما من مخرج واحد. فأما اسطاع يسطيع، فهي من أطاع يطيع، جعلوا السين عوضاً من ذهاب حركة العين.

ثم { قال } ذو القرنين { هذا } الذي يسهل فعله من الردم بين الجبلين نعمة { من ربي } عليكم { فإذا جاء وعد ربي } لاهلاكه عند اشراط الساعة { جعله دكاء } أي مدكوكاً مستوياً بالارض، من قولهم: ناقة دكاء، لا سنام لها، بل هي مستوية السنام.

السابقالتالي
2