الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }

قرأ ابن كثير وابو عمرو وعاصم في رواية حفص " السدين " - بالفتح - الباقون بالضم. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصماً وحده " يفقهون " بضم الياء وكسر القاف. الباقون بفتح الياء والقاف. وقرأ عاصم وحده " يأجوج ومأجوج " بالهمز. الباقون بلا همز. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً " خراجاً " بالف. الباقون { خرجاً } بغير الف.

اخبر الله تعالى عن حال ذي القرنين أنه اتبع طريقاً الى جهاد الكفار الى ان بلغ بين السدين ووصل الى ما بينهما، وهما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما - فى قول ابن عباس وقتادة والضحاك. والسد وضع ما ينتفي به الخرق، يقال: سده يسده سداً فهو ساد، والشيء مسدود، وانسد انسداداً، ومنه سدد السهم، لأنه سد عليه طرق الاضطراب. ومنه السداد الصواب، والسد الحاجز بينك وبين الشيء. قال الكسائي: الضم والفتح في السد بمعنى واحد. وقال أبو عبيدة وعكرمة: (السد) - بالضم - من فعل الله، وبالفتح من فعل الآدميين.

وقوله { وجد من دونهما } يعني دون السدين { قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } اي لا يفهمونه. ومن ضم الياء أراد لا يفهمون غيرهم، لاختلاف لغتهم عن سائر اللغات، وانما قال { لا يكادون } لانهم فقهوا بعض الشيء عنهم، وإن كان بعد شدة، ولذلك حكي عنهم أنهم قالوا { إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } والفقه فهم متضمن المعنى، والفهم للقول هو الذي يعلم به متضمن معناه يقال: فقه يفقه وفقه يفقه.

وقوله { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض } حكاية عما قال القوم الذين وجدهم ذو القرنين من دون السدين، فقالوا إن هؤلاء مفسدون في الارض أي في تخريب الديار، وقطع الطرق، وغير ذلك.

{ فهل نجعل لك خراجاً } فمن قرأ بالألف، فانه أراد الغلة. ومن قرأ بلا ألف أراد الأجر { على أن تجعل بيننا وبينهم } يعني بيننا وبين يأجوج ومأجوج " سداً " قال لهم ذو القرنين { ما مكني فيه ربي خير } من الاجر الذي تعرضون عليّ { فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً } فالردم أشد الحجاب - فى قول ابن عباس -، يقال: ردم فلان موضع كذا يردمه ردماً، وردم ثوبه ترديماً إذا اكثر الرقاع فيه، ومنه قول عنترة:
هل غادر الشعراء من متردّم   أم هل عرفت الدار بعد توهم
اي هل تركوا من قول يؤلف تأليف الثوب المرقع. وقيل الردم السد المتراكب وقرأ ابن كثير " مكنني " بنونين. الباقون بنون واحدة مشددة. من شدد أدغم كراهية المثلين. ومن لم يدغم قال: لانها من كلمتين، لان النون الثانية للفاعل، والياء للمتكلم، وهو مفعول به.

وقوله { أعينوني بقوة } أي برجال يبنون، و (الخرج) المصدر لما يجرج من المال، والخراج الاسم لما يخرج عن الارض ونحوها.

السابقالتالي
2