الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } * { أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } * { وَأَمَّا ٱلْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً } * { فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

قرأ اهل المدينة وابو عمرو { أن يبدلهما } - بفتح الياء وتشديد الدال - هنا - وفى التحريم { أن يبدله } وفي نون { أن يبدلنا } بالتشديد فيهن. الباقون بالتخفيف. فاما التي في سورة النور { وليبدلنهم } فخففها ابن كثير وابو بكر ويعقوب. وشدده الباقون. وقرأ ابن عامر وابو جعفر ويعقوب { رحماً } بضم الحاء. الباقون باسكانها. وروى العبسي { ما لم تسطع } بتشديد الطاء. الباقون بتخفيفها.

قال ابو علي (بدل، وابدل) متقاربان مثل (نزل، وانزل) إلا ان (بدل) ينبغي ان يكون أرجح، لقوله تعالىلا تبديل لكلمات الله } ولم يجئ الابدال كما جاء التبديل، ولم يجئ الابدال في موضع من القرآن، وقد جاءوإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } فهذا قد يكون بمعنى الابدال كما ان قوله الشاعر:
فلم يستجبه عنك ذاك مجيب   
بمعنى فلم يجبه. وقال قوم: ابدلت الشيء من الشيء إذا ازلت الأول وجعلت الثاني مكانه. كقول ابي النجم:
عزل الامير للأمير المبدل   
وبدلت الشيء من الشيء إذا غيرت حاله وعينه. والاصل باق، كقولهم بدلت قميصي جبة، واستدلوا بقولهكلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها } فالجلد الثاني هو الاول، ولو كان غيره لم يجز عقابه. واما (رحم ورحم) فلغتان مثل العمر والعمر، والرعب والرعب. وحكي لغة ثالثة - بفتح الراء واسكان الحاء - كما يقال: اطال الله عمرك وعمرك. والمعنى واقرب رحمة وعطفاً، وقربى وقرابة قال الشاعر:
ولم تعوج رحم من تعوجاً   
وقال آخر:
يا منزل الرحم على ادريس   
حكى الله تعالى عن صاحب موسى انه قال له { هذا فراق بيني وبينك } ومعناه هذا وقت فراق اتصال ما بيني وبينك، فكرر (بين) تأكيداً، كما يقال: أخزى الله الكاذب مني ومنك أي أخزى الله الكاذب منا. وقيل في { هذا } انها اشارة الى احد شيئين:

احدهما - هذا الذى قلته فراق بيني وبينك.

والثاني - هذا الوقت فراق بيني وبينك. ثم قال له { سأنبئك } أي ساخبرك { بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } ولم يخفّ عليك رؤيته، ثم بين واحداً واحداً، فقال { أما } السبب في خرقي { السفينة } انها { كانت لمساكين } أي للفقراء الذين لا شيء لهم يكفيهم، قد اسلمتهم قلة ذات أيديهم { يعملون في البحر } أى يعملون بها في البحر ويتعيشون بها { فأردت أن أعيبها } والسبب فى ذلك انه { كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً } فقيل إن الملك كان يأخذ السفينة الصحيحة، ولا يأخذها إذا كانت معيبة. وقد قرئ فى الشواذ { يأخذ كل سفينة صحيحة غصباً } روى ذلك عن أبي، وابن مسعود.

والوراء والخلف واحد، وهو نقيض جهة القدام على مقابلتها. وقال قتادة: وراءهم - ها هنا - بمعنى أمامهم. ومنه قولهمن ورائهم جهنم } وومن ورائهم برزخ } وذلك جائز على الاتساع، لانها جهة مقابلة لجهة، فكأن كل واحد من الجهتين وراء الآخر قال لبيد:

السابقالتالي
2 3