الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } * { قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَٰحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً } * { فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }

معنى قوله { ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً } تحقيق ما قال له أولا مع نهيه عن العود لمثل سؤاله، لانه لا يجوز أن يكون توبيخاً، لانه جار مجرى الذم في أنه لا يجوز على الانبياء (ع) فقال له موسى فى الجواب عن ذلك { إن سألتك } أي ان استخبرتك عن شيء تعمله بعد هذا { فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً } ومعناه إقرار من موسى بأن صاحبه قد قدم اليه ما يوجب العذر عنده، فلا يلزمه ما أنكره. وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه تلا هذه الآية، فقال: " استحيى نبي الله موسى " والعذر وجود ما يسقط اللوم من غير جهة التكفير بتوبة واجتناب كبير لوقوع سهو لم يتعرض له.

وفي (لدن) خمس قراءات، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بالتثقيل.

الثاني - بضم الدال وتخفيف النون قرأ به نافع.

الثالث - قرأ ابو بكر بضم اللام وسكون الدال واشمام من غير اشباع،

الرابع - قرأ الكسائي عن أبي بكر بضم اللام وسكون الدال.

الخامس - في رواية عن أبي بكر بفتح اللام وسكون الدال: وهذه كلها لغات معروفة.

ثم أخبر الله تعالى عنهما ايضاً أنهما مضيا حتى { أتيا أهل قرية استطعما أهلها } أي طلبا منهم ما ياكلانه فامتنعوا من تضييفهما { فوجدا فيها } يعني القرية { جداراً يريد أن ينقض. فأقامه } ومعناه وجدا حائطاً قارب أن ينقض فشبهه بحال من يريد أن يفعل فى التباني، كما قال الشاعر:
يريد الرمح صدر ابي براء   ويرغب عن دماء بني عقيل
ومثله تراني آثارهما، ودار فلان ينظر الى دار فلان. وقال سعيد بن جبير: معنى قوله { فأقامه } انه رفع الجدار بيده فاستقام. والانقضاض السقوط بسرعة، يقال انقضت الدار اذا سقطت وتهدمت قال ذو الرمة:
فانقض كالكوكب الدري منصلتا   
فقال له موسى { لو شئت لاتخذت عليه أجراً } وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو { لتخذت } الباقون { لاتخذت } يقال: تخذ يتخذ بالتخفيف قال الشاعر:
وقد تخذت رجلي لدى جنب غرزها   نسيفاً كافحوص القطاة المطرق
المطرق التي تريد أن تبيض، وقد تعسر عليها، والا فحوص والمفحص عش الطائر، وابن كثير يظهر الذال، وابو عمرو يدغم. والباقون على وزن (افتعلت) مثل اتقى يتقي. وقد حكي تقى يتقي خفيفاً، قال الشاعر:
جلاها الصيقلون فاخلصوها   خفافاً كلها يتقى باثر
ومن ادغم فلقرب مخرجيهما ومن اظهر فلتغاير مخرجيهما وقال الفراء في قوله { لو شئت } قال موسى لو شئت لم تقمه حتى يقرونا، فهو الأجر وانشدوا فى { يريد أن ينقض } قول الشاعر:
إن دهراً يلف شملي بجمل   لزمان يهم بالاحسان
أي كانه يهم، وانما هو سبب الاحسان المؤدي اليه وقال آخر:
يشكو الى جملي طول السرى   صبراً جميلا فكلانا مبتلى
والجمل لم يشك شيئاً. وقال عنترة:
وشكا الى بعبرة وتحتحم   
وكل ذلك يراد به ما ظهر من الامارة الدالة على المعاني.