الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً }

قرأ عاصم { لمهلكهم } بفتح الميم واللام، في رواية أبي بكر عنه. وفي رواية حفص - بفتح الميم وكسر اللام - الباقون بضم الميم وفتح اللام، من فتح الميم واللام جعله مصدراً، لهلك يهلك مهلكا، مثل طلع مطلعاً، ومن كسر اللام جعله وقت هلاكهم أو موضع هلاكهم مثل مغرب الشمس. وحكى سيبويه عن العرب: أتت الناقة على مضربها ومنتجها - بالكسر - أي وقت ضرابها ونتاجها. وإنّ فى الف (لمضربا) بفتح الراء أي ضرباً جعلها مصدراً ومن ضم الميم وفتح اللام - وهو الاختيار - فلان المصدر من (أفعل) والمكان يجيء على (مفعل) كقولهأدخلني مدخل صدق } كذلك: أهلكه الله مهلكاً. وكل فعل كان على (فعل يفعل) مثل ضرب يضرب فالمصدر مضرب بالفتح، والزمان والمكان (مفعل) بكسر العين، وكل فعل كان مضارعه (يفعل) بالفتح نحو يشرب ويذهب، فهو مفتوح أيضاً نحو المشرب والمذهب. وكل فعل كان على (فعل يفعل) بضم العين في المضارع نحو يدخل ويخرج، فالمصدر والمكان منه بالفتح نحو المدخل والمخرج إلا ما شذ منه نحو المسجد، فانه من سجد يسجد، وربما جاء في (فعل يفعل) المصدر بالكسر كقولهإلى الله مرجعكم } أي رجوعكم، ونحو قولهويسئلونك عن المحيض } ونحو قولهوجعلنا النهار معاشاً } فهذا مصدر وربما جاء على المعيش مثل المحيض كما قال الشاعر:
اليك أشكوا شدة المعيش   ومرّ ايام نتفن ريشي
اخبر الله تعالى أن تلك القرى أهلكناهم يعني أهل القرية، ولذلك قال: (هم): ولم يقل (ها) لأن القرية هي المسكن مثل المدينة والبلدة. والبلدة لا تستحق الهلاك، وانما يستحق العذاب اهلها، ولذلك قال { لما ظلموا } يعني أهل القرية الذين أهلكناهم. والاهلاك اذهاب الشيء بحيث لا يوجد، فقيل هؤلاء أهلكوا بالعذاب. والاهلاك والاتلاف واحد، وقولهم الضائع هالك من ذلك لانه بحيث لا يوجد. وقوله { وجعلنا لمهلكهم } أي لوقت اهلاكهم - فى من ضم الميم - أو لوقت هلاكهم - فى من فتحها - { موعداً } أي ميقاتاً وإجلاً فلما بلغوه جاءهم العذاب. والموعد الوقت الذي وعدوا فيه بالاهلاك.

وقوله { وإذ قال موسى لفتاه } معناه واذكر اذ قال موسى لفتاه لما في قصته من العبرة بأنه قصد السفر فوفق الله (عز وجل) فى رجوعه أكثر مما قصد له ممن أحب موسى أن يتعلم منه ويستفيد من حكمته التي وهبها الله له. وقيل إن فتى موسى (ع) كان يوشع بن نون. وقيل ابن يوشع، وسمي فتاه لملازمته إياه { لا أبرح } أي لا ازال كما قال الشاعر:
وابراح ما أدام الله قومي   بحمد الله منتطقاً مجيداً
أي لا ازال، ولا يجوز أن يكون بمعنى لا أزول، لان التقدير، لا أزال أمشي حتى أبلغ. ومعنى (لا يزال يفعل كذا) أي هو دائب فيه.

السابقالتالي
2 3