أخبر الله تعالى أنه لم يرسل رسله الى الخلق، إلا مبشرين لهم بالجنة إذا أطاعوا، ومخوفين لهم من النار إذا عصوا، فالبشارة الاخبار بما يظهر سرورة فى بشرة الوجه يقال بشره تبشيراً وبشارة، وأبشره إبشاراً إذا استبشر بالأمر. ومنه البشر لظهور بشرته. ثم قال { ويجادل الذين كفروا بالباطل } أي يناظر الكفار دفعاً عن مذاهبهم بالباطل. وذلك انهم ألزموه أن يأتيهم أو يريهم العذاب على ما توعدهم ما هو لاحق بهم إن أقاموا على كفرهم. والباطل المعني الذي معتقده على خلاف ما هو به، كالمعني في انه ينبغي أن تكون آيات الأنبياء على ما تقتضي الأهواء، كالمعني في أنه: يجب عبادة الأوثان على ما كان عليه الكبراء { ليدحضوا به الحق } والادحاض الاذهاب بالشيء الى الهلاك، ودحض هو دحضاً. ومكان دحض أي مزلق مزل، لا يثبت فيه خف ولا حافر، ولا قدم، قال الشاعر:
وردت ونحن اليشكري حذاره
وحاد كما حاد البعير عن الدحض
ثم اخبر تعالى عنهم أنهم { اتخذوا آيات الله } ودلالته وما خوفوا به من معاصيه { هزواً } أي سخرية يسخرون منه. ثم قال تعالى { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه } اي من أظلم لنفسه ممن نبه على أدلته وعرفه الرسل اياها { فأعرض عنها } جانباً، ولم ينظر فيها { ونسي ما قدمت يداه } أي نسي ما فعله من المعاصي التي يستحق بها العقاب. وقال البلخي: معناه تذكر واشتغل عنه استخفافاً به، وقلة معرفة بعاقبته، لا انه نسيه. ثم قال تعالى { إنا جعلنا على قلوبهم أكنة } وهي جمع كنات كراهية أن يفقهوه، وقيل لئلا يفقهوه { وفي آذانهم وقراً } أي ثقلا. وقد بينا معنى ذلك فيما مضى وجملته أنه على التشبيه في جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه كقوله{ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً } والمعنى كأن قلوبهم فى أكنة عن أن تفقه. وفى آذانهم وقراً أن تسمع، وكأنه مستحيل أن يجيبوا الداعي الى الهدى. ويقوي ذلك قوله { ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها } فدل انه كان يسمعها حتى صح إعراضه عنها. وقال البلخي: يجوز ان يكون المراد انا إذا فعلنا ذلك ليفقهوا فلن يفقهوا، لانه شبههم بذلك ويجوز ان يكون المراد بذلك الحكاية عنهم انهم قالوا ذلك، كما حكى تعالى{ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } ثم قال إن كان الأمر على ذلك فلن يهتدوا إذاً أبداً. وقوله { وإن تدعهم إلى الهدى } مع ما جعلنا فيهم { فلن يهتدوا إذاً أبداً } ولا يرجعون اليها، بسوء اختيارهم، وسوء توفيقهم، من الله جزاء على معاصيهم، وذلك يختص بمن علم الله أنه لا يؤمن منهم، ويجوز أن يكون الجعل في الآية بمعنى الحكم والتسمية، ثم قال { وربك } يا محمد { الغفور ذو الرحمة } يعني الساتر على عباده إذا تابوا، ذو الرحمة بهم { لو يؤاخذهم بما كسبوا } عاجلا { لعجل لهم العذاب } لكن لا يؤاخذهم، لأن لهم موعداً وعدهم الله ان يعاقبهم فيه وهو يوم القيامة { لن يجدوا من دونه موئلاً } اي ملجأ - في قول ابن عباس وقتادة وابن زيد - وقال مجاهد: يعني محرزاً، وقال ابو عبيدة: يعني منجاً ينجيهم، ويقال: لا وألت نفسه بمعنى لا نجت قال الاعشى: