الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً }

قرأ اهل الكوفة { قبلا } بضم القاف والباء. الباقون بكسر القاف وفتح الياء. فمن قرأ بضم القاف والباء أراد جمع قبيل نحو قميص وقمص. وقال قوم: القبيلة بنو أب. والقبيل يعبر بها عن الجماعة وإن اختلفت أنسابهم واحتجوا بقول النابغة:
جوانح قد أيقنّ ان قبيله   إذا ما التقى الجمعان اول غالب
وجمع القبيلة قبائل. والقبائل أيضاً قبائل الرأس، وهي عروق مجرى الدمع من الرأس، وسمي أيضاً شئوناً، واحدها شأن. ومن قرأ بكسر القاف وفتح الباء أراد مقابلة، أي معاينة. ويحتمل أيضاً الضم، ذلك، ذكره الفراء والزجاج، وهما لغتان.

اخبر الله تعالى عن المجرمين والعصاة أنهم إذا شاهدوا نار جهنم ورأوها { فظنوا } اي علموا { أنهم مواقعوها } ولم يجدوا عن دخلولها معدلا ولا مصرفاً، لأن معارفهم ضرورية، فالظن ها هنا بمعنى العلم. وقد يكون الظن غير العلم، وهو ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه ان يكون على خلافه. والاجرام قطع العمل الى الفساد. واصله القطع، يقال: هذا زمن الجرام أى زمن الصرام يعني زمان قطع الثمرة عن النخل. والمواقعة ملابسة الشيء بشدة، ومنه وقائع الحروب وأوقع به ايقاعاً. وتواقعوا تواقعاً. والتوقع الترقب لوقوع الشيء، والمصرف المعدول. وهو موضع الذي يعدل اليه، صرفه عن كذا يصر صرفاً. والموضع مصرف قال ابو كثير:
ازهير هل عن شيبة من مصرف   أم لا خلود لباذل متكلف
وقوله { ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل } اخبار من الله تعالى انه نقل المعاني فى الجهات المختلفة فى هذا القرآن، فتصريف المثل فيه تنقيله في وجوه البيان على تمكين الأفهام. والمعنى بيّنا للناس من كل مثل يحتاجون اليه. ثم اخبر تعالى عن حال الانسان فقال { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } أي خصومة. والجدل شدة الفتل عن المذهب بطريق الحجاج. واصله الشدة، ومنه الاجدل الصقر لشدته، وسير مجدول شديد الفتل.

وقوله { وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين } معناه ما منعهم من الايمان بعد مجيء الدلالة وان يستغفروا ربهم على ما سبق من معاصيهم إلا طلب ان يأتيهم سنة الأولين، من مجيء العذاب من حيث لا يشعرون، او مقابلة من حيث يرون. وإنما هم بامتناعهم من الايمان بمنزلة من يطلب هذا حتى يؤمن كرهاً، لانهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الاليم، كما يقول القائل لغيره ما منعك ان تقبل قولي إلا ان تضرب، إلا انك لم تضرب، لأن مشركي العرب طلبوا مثل ذلك، فقالوااللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم }