الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } * { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً }

قرأ حمزة وحده { ويوم نقول } بالنون، على أن الله تعالى هو المخبر عن نفسه بذلك، لانه قال قبل ذلك { وما كنت متخذ المضلين عضداً، ويوم نقول } حمله على ما تقدم، والجمع والافراد بذلك المعنى. الباقون بالياء، بمعنى قل يا محمد يوم يقول الله أين شركائي الذين زعمتم، ولو كان بالنون لكان الأشبه بما بعده ان يكون جمعاً، فيقول شركاؤنا، فأما قوله { الذين زعمتم } فالراجع الى الموصول محذوف، والمعنى الذين زعمتموهم اياهم أي زعمتموهم شركاء، فحذف الراجع من الصلة، ولا بد من تقديره كقولهأهذا الذي بعث الله رسولاً } يقول الله تعالى لنبيه واذكر الوقت الذي قال الله فيه { للملائكة اسجدوا لآدم } وانهم { سجدوا إلا إبليس } وقد فسرناه فيما تقدم. وقيل: إنما كرر هذا القول في القرآن لأجل ما بعده مما يحتاج الى اتصاله به، فهو كالمعنى الذي يفيد أمراً فى مواضع كثيرة، والاخبار عنه باخبار مختلفة، كقولهم برهان كذا كذا وبرهان كذا كذا، للمعنى الذي يحتاج الى احكامه فى أمور كثيرة.

وقوله { كان من الجن } قيل معناه صار من الجن المخالفين لأمر الله. وقال قوم: ذلك يدل على أنه لم يكن من الملائكة، لأن الجن جنس غير الملائكة، كما ان الانس غير جنس الملائكة والجن، ومن زعم انه كان من الملائكة يقول: معنى كان من الجن يعنى من الذين يستترون عن الابصار لانه مأخوذ من الجن وهو الستر، ومنه المجن لأنه يستر الانسان. وقال ابن عباس: نسب الى الجنان التي كان فيها، كقولك كوفي وبصري، وقال قوم: بل كانت قبيلته التى كان فيها يقال لهم الجن، وهم سبط من الملائكة، فنسب اليهم. وقال ابن عباس: لو لم يكن ابليس فى الملائكة ما أمر بالسجود. وقال وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم. وروى عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى { كان من الجن } قال: كان ابليس من الملائكة فلما عصى لعن فصار شيطاناً. ومن قال إن ابليس له ذرية والملائكة لا ذرية لهم ولا يتناكحون ولا يتناسلون عول على خبر غير معلوم. فأما الاكل والشرب ففي الملائكة ولو علم انه مفقود، فانا لا نعلم أن ابليس كان يأكل ويشرب، فأما من قال إن الملائكة رسل الله، ولا يجوز عليهم أن يرتدوا. فلا نسلم لهم أن جميع الملائكة رسل الله، وكيف نسلم ذلك، وقد قال الله تعالىالله يصطفي من الملائكة رسلاً } فأدخل (من) للتبعيض، فدل على أن جميعهم لم يكونوا رسلا أنبياء، كما انه تعالى قالومن الناس } فدل على أن جميع الناس لم يكونوا انبياء. وقوله { ففسق عن أمر ربه } معناه خرج عن أمر ربه الى معصيته بترك السجود لآدم.

السابقالتالي
2