الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } * { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً }

قرأ ابن عامر وحده { بالغدوة والعشي } بضم الغين والواو، وإسكان الدال. الباقون بفتح الغين والدال، ومع الالف، ولا يجوز عند أهل العربية إدخال الالف واللام على غدوة، لانها معرفة، ولو كانت نكرة لجاز فيها الاضافة ولا يجوز غدوة يوم الجمعة كما يجوز غداة يوم الجمعة.

وقال ابو علي النحوي من أدخل الالف واللام، فانه يجوز - وإن كان معرفة - أن تنكر، كما حكى أبو زيد لقيته فينة. والفينة بعد الفينة، ففينة مثل غدوة فى التعريف، ومثل قولهم: اما النضرة، فلا نضرة، فأجري مجرى ما يكون سائغاً في الجنس. ومن قرأ بالغداة، فقوله أبين. وقال ابن خالويه: العرب تدخل الالف واللام على المعرفة إذا جاؤا بما فيه الالف واللام ليزدوج الكلام، قال الشاعر:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا   شديداً باعباء الخلافةَ كاهله
فادخل الالف واللام على اليزيد لما جاور الوليد، فلذلك أدخل ابن عامر الالف واللام فى (الغدوة) لما جاور العشي. والعرب تجعل (بكرة وغدوة وسحر) معارف إذا أرادوا اليوم بعينه. أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) بالصبر على جملة المؤمنين الذين يدعون الله بالغداة والعشي، والصبر على ثلاثة اقسام: صبر واجب مفروض وهو ما كان على اداء الواجبات التي تشق على النفس وتحتاج الى التكلف. والثاني - ما هو مندوب فان الصبر عليه مندوب اليه. والثالث مباح جائز، وهو الصبر على المباحات التي ليست بطاعة لله.

وقوله { يريدون وجهه } معناه يريدون تعظيمه والقربة اليه دون الرياء والسمعة، فذكر الوجه بمعنى لاجل التعظيم، كما يقال اكرمته لوجهك أي لتعظيمك لان من عادتهم أن يذكروا وجه الشيء ويريدون به الشيء المعظم. كقولهم هذا وجه الرأي أي هذا الرأي الحق المعظم.

وقوله { ولا تعد عيناك عنهم } معناه لا تتجاوز عيناك الى غيرهم ولا تنصرف وقيل انها نزلت في سلمان واصحابه الى سواهم من أرباب الدنيا الممرحين فيها { تريد } بذلك { زينة الحياة الدنيا. ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا } نزلت في عيينة بن حصين. وقيل في معناه ثلاثة أقوال:

احدها - لا تطع من صادفناه غافلا عن ذكرنا كقولهم احمدت فلانا أي صادفته محموداً فهو من باب صادفناه على صفة.

الثاني - لا تطع من سميناه غافلا، ونسبناه الى الغفلة كقولهم أكفرناه أي نسبناه الى الكفر.

والثالث - لا تطع من أغفلنا قلبه أي جعلناه غافلا بتعرضه للغفلة. وقيل لم يسمه الله بما يسم به قلوب المؤمنين مما ينبئ عن فلاحهم، كما قالكتب في قلوبهم الإيمان } { واتبع هواه } يعني الذي أغفلناه عن ذكرنا { اتبع هواه، وكان أمره فرطاً } معناه تجاوزاً للحق وخروجاً عنه، من قولهم أفرط إفراطاً اذا أسرف، فاما فرّط فمعناه قصر عن التقدم الى الحق الذي يلزمه.

السابقالتالي
2