يقول الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم) انه سيقول قوم من المختلفين في عدد اصحاب الكهف فى هذا الوقت: انهم ثلاثة رابعهم كلبهم، وطائفة أخرى يقولون: خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب، وتقول طائفة ثالثة: انهم سبعة وثامنهم كلبهم. وذهب بعضهم الى انهم سبعة لدخول واو العطف بعده في قوله { وثامنهم كلبهم } ولم يقل ذلك في الاول. وهذا ليس بشيء، لأنه انما لم يدخل الواو في الاول، لانه جاء على الصفة بالجملة، والثاني على العطف على الجملة. قال الرماني: وفرق بينهما، لأن السبعة أصل للمبالغة فى العدة، كما قال (عز وجل):{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } وحكى البلخي عن بعض أهل العلم أنه قال: الواجب أن يعد في الحساب: واحد اثنان ثلاثة اربعة، فاذا بلغت الى السبعة قلت: وثمانية - بالواو - اتباعاً للآية. وقوله { رجماً بالغيب } قال قتادة: معناه قذفاً بالظن. وقال المؤرج: ظناً بالغيب بلغة هذيل. وقال قوم: ما لم تستيقنه فهو الرجم بالغيب قال الشاعر:
واجعل مني الحق غيباً مرجماً
وقال زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم
وما هو عنها بالحديث المرجم
ثم قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم): قل لهم يا محمد: ربي اعلم بعدتهم، من الخائضين في ذلك والقائلين فى عددهم بغير علم. ثم قال تعالى: ليس يعلم عددهم إلا قليل من الناس، وهم النبي ومن أعلمه الله من نبيه. وقال ابن عباس: أنا من القليل الذين يعلمون ذلك: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم. ثم قال تعالى، ناهياً لنبيه - والمراد به امته - { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهراً }. قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك: معناه إلا بما أظهرنا لك من امرهم، والمعنى انه لا يجوز أن تماري وتجادل إلا بحجة ودلالة، واخبار من الله، وهو المراء الظاهر. وقال الضحاك: معناه حسبك ما قصصنا عليك. وقال البلخي: وفى ذلك دلالة على أن المراء قد يحسن إذا كان بالحق وبالصحيح من القول. وإنما المذموم منه ما كان باطلا والغرض المبالغة لا بيان الحق. والمراء الخصومة والجدل. وقوله { ولا تستفت فيهم } يعني فى أهل الكهف، وفى مقدار عددهم { منهم } يعني من اهل الكتاب { أحداً } ولا تستفهم من جهتهم. وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقوله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } نهي من الله تعالى لنبيه ان يقول: اني افعل شيئاً في الغد إلا أن يقيد قوله بمشيئة الله، فيقول: ان شاء الله، لانه لا يأمن اخترامه، فيكون خبره كذباً. وإذا قيده بقوله إن شاء الله، ثم لم يفعل، لم يكن كاذباً.