الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً } * { وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

يقول الله لنبيه (صلى الله عليه وسلم) انه سيقول قوم من المختلفين في عدد اصحاب الكهف فى هذا الوقت: انهم ثلاثة رابعهم كلبهم، وطائفة أخرى يقولون: خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب، وتقول طائفة ثالثة: انهم سبعة وثامنهم كلبهم. وذهب بعضهم الى انهم سبعة لدخول واو العطف بعده في قوله { وثامنهم كلبهم } ولم يقل ذلك في الاول. وهذا ليس بشيء، لأنه انما لم يدخل الواو في الاول، لانه جاء على الصفة بالجملة، والثاني على العطف على الجملة. قال الرماني: وفرق بينهما، لأن السبعة أصل للمبالغة فى العدة، كما قال (عز وجل):استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } وحكى البلخي عن بعض أهل العلم أنه قال: الواجب أن يعد في الحساب: واحد اثنان ثلاثة اربعة، فاذا بلغت الى السبعة قلت: وثمانية - بالواو - اتباعاً للآية.

وقوله { رجماً بالغيب } قال قتادة: معناه قذفاً بالظن. وقال المؤرج: ظناً بالغيب بلغة هذيل. وقال قوم: ما لم تستيقنه فهو الرجم بالغيب قال الشاعر:
واجعل مني الحق غيباً مرجماً   
وقال زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم   وما هو عنها بالحديث المرجم
ثم قال تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم): قل لهم يا محمد: ربي اعلم بعدتهم، من الخائضين في ذلك والقائلين فى عددهم بغير علم. ثم قال تعالى: ليس يعلم عددهم إلا قليل من الناس، وهم النبي ومن أعلمه الله من نبيه. وقال ابن عباس: أنا من القليل الذين يعلمون ذلك: كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.

ثم قال تعالى، ناهياً لنبيه - والمراد به امته - { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهراً }. قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك: معناه إلا بما أظهرنا لك من امرهم، والمعنى انه لا يجوز أن تماري وتجادل إلا بحجة ودلالة، واخبار من الله، وهو المراء الظاهر. وقال الضحاك: معناه حسبك ما قصصنا عليك. وقال البلخي: وفى ذلك دلالة على أن المراء قد يحسن إذا كان بالحق وبالصحيح من القول. وإنما المذموم منه ما كان باطلا والغرض المبالغة لا بيان الحق. والمراء الخصومة والجدل.

وقوله { ولا تستفت فيهم } يعني فى أهل الكهف، وفى مقدار عددهم { منهم } يعني من اهل الكتاب { أحداً } ولا تستفهم من جهتهم. وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة.

وقوله { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله } نهي من الله تعالى لنبيه ان يقول: اني افعل شيئاً في الغد إلا أن يقيد قوله بمشيئة الله، فيقول: ان شاء الله، لانه لا يأمن اخترامه، فيكون خبره كذباً. وإذا قيده بقوله إن شاء الله، ثم لم يفعل، لم يكن كاذباً.

السابقالتالي
2 3