الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

قرأ { بورقكم } - بسكون الراء - أبو عمرو وحده وأبو بكر عن عاصم الباقون بكسر الراء. وروي عن أبي عمرو " بورقكم " بادغام القاف في الكاف. وفي " ورقكم " اربع لغات - فتح الواو وكسر الراء - وهو الأصل. وفتح الواو وسكون الراء. وكسر الواو وسكون الراء. والادغام. فالورق الدراهم، ويقال ايضاً بفتح الراء، ويجمع اوراق. ورجل وراق كثير الدراهم. فأما ما يكتب فيه فهو (الورق) بفتح الراء لا غير. والورق الغلمان الملاح. وقيل الورق - بفتح الراء - المال كله المواشي وغيرها قال العجاج:
اغفر خطاياي وطوح ورقي   
في قصة أهل الكهف اعتبار ودلالة على أن من قدر على نقض العادة - بتلك المعجزة - قادر لا يعجزه شيء، وإن التدبير يجري بحسب الاختيار، لا بايجاب الطبائع، كما يتوهمه بعض الجهال، لانه على تدبير مختار، كما يدل على تدبير عالم. ووجه التشبيه في قوله { وكذلك بعثناهم } أي كما حفظنا احوالهم تلك المدة { بعثناهم } من تلك الرقدة، لان أحد الامرين كالآخر في أنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى.

بين الله تعالى أنه بعث أهل الكهف بعد نومهم الطويل ورقدتهم البعيدة ليسأل بعضهم بعضاً عن مدة مقامهم، فيتنبهوا بذلك على معرفة صانعهم إن كانوا كفاراً. وإن كانوا مؤمنين تثبتوا زيادة على ما معهم، ويزدادوا يقيناً الى يقينهم. وقال البلخي: اللام في قوله { ليتسألوا } لام العاقبة، لأن التساؤل بينهم قد وقع. ثم اخبر تعالى أن قائلا منهم قال: للباقين { كم لبثتم } مستفهماً لهم، فقالوا في جوابه: { لبثنا يوماً أو بعض يوم } وانما اخبروا بذلك من غير أن يعلموا صحته، لأن الاخبار في مثل هذا عن غالب الظن وعلى ذلك وقع السؤال، لان النائم لا يدري، ولا يتحقق مقدار نومه إلا على غالب الظن. وقيل أنهم لما ناموا كان عند طلوع الشمس فلما انتبهوا كانت الشمس دنت للغروب بقليل. فلذلك قالوا: يوماً أو بعض يوم - ذكره الحسن -. وقيل ايضاً إن الخبر بأنهم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ليس ينافى انهم لبثوا مدة طويلة، لان المدة الطويلة تأتي على قصيرة وتزيد عليها لا محالة. ثم قالوا { ربكم أعلم بما لبثتم } ومعناه ان الذي خلقكم اعرف بمدة لبثكم على التحقيق. والاعلم هو من كانت علومه اكثر أو صفاته في كونه عالماً أزيد. وقيل: إن الاعلم هو من كانت معلوماته اكثر، وهذا ليس بصحيح، لانه يلزم انه عالم من اجل العلوم.

ثم قال بعضهم لبعض { فابعثوا احدكم بورقكم هذه الى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً } وقيل في معناه قولان:

احدهما - قال قتادة: { أزكى } أجل وخير.

السابقالتالي
2