الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً } * { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً }

قرأ اهل الكوفة { تفجر } بالتخفيف. الباقون بالتشديد، يقال: فجر يفجر بالتخفيف إِذا شق الأنهار، ومن شدد، فلقولهوفجّرنا خلالها نهراً } اي مرة بعد مرة، ولقوله { فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً } فالتفجير لا يكون إِلا من فجر.

في الآية الاولى، تحدي للخلق ان يأتوا بمثل هذا القرآن وأنهم يعجزون عن ذلك ولا يقدرون على معارضته، لأنه تعالى قال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { لئن اجتمعت الإنس والجن } متعاونين متعاضدين { على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } في فصاحته وبلاغته ونظمه، على الوجه الذي هو عليه، من كونه في الطبقة العليا من البلاغة وعلى حد يشكل على السامعين ما بينهما من التفاوت، لما أتوا بمثله، ولعجزوا عنه { ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } اي معيناً، والمثلية التي تحدوا بالمعارضة بها معتادة بينهم، كمعارضة علقمه لامرىء القيس، ومعارضة الحرث ابن حلزة عمرو بن كلثوم، ومعارضة جرير الفرزدق. وما كان ذلك خافياً عليهم.

ثم قال { ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل } وتصريفه إِياه هو توجيهه إِياه في معانٍ مختلفة. وقال الرماني: هو تصيير المعنى دائراً فيما كان من المعاني المختلفة. وذلك أنه لو أدير في المعاني المتفقة لم يعد ذلك تصريفاً، فالتصريف تصيير المعنى دائرا في الجهات المختلفة.

وقوله { لا يأتون بمثله } انما رفعه لانه غلب جواب القسم على جواب (إن) لوقوعه في صدر الكلام، وقد يجوز أَن يجزم على جواب (إِن) إِلا أَن الرفع الوجه، وقال الاعشى:
لئن منيت بنا عن غب معركة   لا تلقنا من دماء القوم ننتقل
وقوله { فأبى أَكثر الناس إِلا كفوراً } معناه إِنما { صرّفنا في هذا القرآن من كل مثل } ليستدلوا به على كونه من قبل الله تعالى ومع ذلك يأبى أَكثر الناس إِلا الجحد به، وإِنكاره، فالكفور - ها هنا - هو الجحود للحق بالاستكبار. ويقولون مع ذلك { لن نؤمن لك } يا محمد { حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } ومعناه حتى تشقق من الارض عيناً ينبع بالماء أَي يفور، فهو على وزن (مفعول) من (نبع)، يقال نبع الماء ينبع، فهو نابع، وجمعه ينابيع، وانما طلبوا عيوناً ببلدهم - في قول قتادة - والتفجير التشقيق عما يجري من ماء او ضياء، ومنه سمى الفجر، لانه ينشق عن عمود الصبح، ومنه الفجور، لأنه خروج الى الفساد لشق عمود الحق.