الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } * { وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً }

أخبر الله تعالى: أنه أنزل القرآن وفيه شفاء، ووجه الشفاء فيه من وجوه:

أحدها - ما فيه من البيان الذي يزيل عمى الجهل وحيرة الشك.

وثانيها - أنه من جهة نظمه وتأليفه يدل على انه معجز دال على صدق من ظهر على يده.

وثالثها - انه يتبرك به فيدفع به كثيراً من المكاره والمضار، على ما يصح ويجوز في مقتضى الحكمة.

ورابعها - ما في العبادة بتلاوته من الصلاح الذي يدعو الى امثاله بالمشاكلة التي بينه وبينه الى غير ذلك. ثم قال: { ولا يزيد الظالمين } يعني القرآن لا يزيد الظالمين بمعنى انهم لا يزدادون عنده { إلا خساراً } يعني يخسرون ثوابهم ويستحقون العقاب لكفرهم به وحرمان أنفسهم تلك المنافع التي فيه، صار كأنه يزيد هؤلاء خسراناً بدل زيادة المؤمنين تقى وايماناً. ثم قال: { وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض } أي ولىّ عرضه، كأنه لم يقبل علينا بالدعاء والابتهال، وباعد عن انعامنا عليه بضروب النعم، فلا يشكرها، كما اعرض عن النعمة بالقرآن.

وقوله: { ونأى بجانبه } أي بعد بنفسه عن القيام بحقوق نعم الله. وقال مجاهد: معناه تباعد منا { وإذا مسه الشر كان يئوساً } يعني اذا لحق الانسان شر وبلاء { كان يئوساً } اي قنوطاً من رحمة الله، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم قل لهم: { كلٌّ يعمل على شاكلته } أي على طريقته التي تشاكل اخلاقه. وقال مجاهد: على طبيعته. وقيل على عادته التي ألفها. والمعنى انه ينبغي للانسان ان يحذر إِلف الفساد فلا يستمر عليه، بل يرجع عنه. ثم قال: { وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً } يعني انه عالم بمن يهتدي الى الحق ممن يسلك طريق الضلال، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.

وأَمال حمزة والكسائي { ونأى بجانبه } بكسر النون والهمزة، وأمالوا الياء، وأمالوا النون لمجاورة الهمزة، لأنها من حروف الحلق، كما يقولون: رغيف وشعير وبعير بكسر أولهن. وقرأ ابن عامر { وناء بجانبه } من ناء ينوء، فانقلبت الواو الفاً لانفتاح ما قبلها، ومدّت الالف تمكيناً للهمزة.

وقرأ ابو عامر عن عاصم وابو عمرو - في رواية عياش - " ونئي " بفتح النون وكسر الهمزة ممالاً ومثل ذلك رأى ورئي، وراء ورأه في القلب، فاذا قالوا فعلت، قالوا رأيت بلا خلاف. وانشد المبرد حاكياً عن ابي عبيد:
أغلام معلل راء رؤياً   فهو يهذي بما رأى في المنام