الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } * { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }

قرأ ابن عامر واهل الكوفة الا ابا بكر { خلافك }. الباقون " خلفك " فمن قرأ " خلفك " فلقولهفجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها } وقولهبمقعدهم خلاف رسول الله } اي لمخالفتهم إِياه، ومن قرأ { خلافك } قال بعدك وخلفك وخلافك بمعنى واحد، يقول الله تعالى { وإِن كادوا } يعني المشركين { ليستفزونك من الأرض } قال الحسن: معناه ليقتلونك، وقال غيره: الاستخفاف بالانزعاج. وقال ابو علي: همُّوا بأن يخرجوه من ارض العرب لا من مكة فقط، إِذ قد أخرجوه من مكة، وقال المعتمر ابن ابي سليمان عن ابيه: الارض التي ارادوا استزلاله منها: هي ارض المدينة، لان اليهود قالت له: هذه الارض ليست ارض الانبياء, وانما أَرض الانبياء الشام. وقال قتادة ومجاهد: هي مكة، لان قريشاً همّت بإِخراجه منها. ثم قال تعالى: انهم لو اخرجوك من هذه الارض لما لبثوا، لما اقاموا بعدك فيها إِلا قليلا. وقال ابن عباس والضحاك: المدة التي لبثوا بعده هو ما بين خروج النبي من مكة، وقتلهم يوم بدر. ومن قرأ خلافك اراد بعدك، كما قال الشاعر:
عقب الرذاذ خلافها فكأنما   بسط الشواطب بينهن حصيرا
الرذاذ المطر الخفيف، يصف روضة وأرضاً غبّ مطرها، وكانت حضراء وقال الحسن الاستفزاز - هاهنا - الفتل.

وقوله { وإِذاً لا يلبثون } بالرفع، لان (إِذاً) وقعت بعد الواو، فجاز فيها الالغاء، لانها متوسطة في الكلام، كما انه لا بد من ان تلغى في آخر الكلام.

وقوله { سنة من قد أرسلنا } انتصب { سنة } بمعنى لا يلبثون. وتقديره: لا يلبثون لعذابنا إِياهم كسنة من قبلك، إِذ فعلت اممهم مثل ذلك. ثم قال { لا تجد لسنتنا تحويلاً } اي تغييراً وانتقالاً من حالة إِلى حالة اخرى. بل هي على وتيرة واحدة. ثم امر نبيه صلى الله عليه وسلم فقال { أقم الصلاة } والمراد به أمّته معه { لدلوك الشمس } اختلفوا في الدلوك، فقال ابن عباس، وابن مسعود، وابن زيد: هو الغروب والصلاة المأمور بها - ها هنا - هي المغرب، وقال ابن عباس في رواية اخرى والحسن، ومجاهد، وقتادة: دلوكها زوالها، هوالمروي عن ابي جعفر وابي عبد الله (ع). وذلك ان الناظر اليها يدلك عينيه، لشدة شعاعها. واما عند غروبها فيدلك عينيه لقلة تبينها، والصلاة المأمور بها عند هؤلاء الظهر، وقال الراجز:
هذا مقام قدمي رباح   للشمس حتى دلكت براح
ورباح اسم ساقي الابل. من روى بكسر الباء اراد براحته، قال الفراء: يقال: بالراحة على العين، فينظر هل غابت الشمس بعد، قال الفراء هكذا فسروه لنا، ومن رواه بفتح الباء جعله اسماً للشمس مبنياً على (فعال) مثل قطام وحذام وقال العجاج:
والشمس قد كادت تكون دنفا   ادفعها بالراح كي تزحلفا

السابقالتالي
2