الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } * { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } * { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً }

اخبر الله تعالى: انه كرّم { بني آدم } وانما عنى بني آدم بالتكرمة مع ان فيهم كفاراً، لان المعنى كرمناهم بالنعمة على وجه المبالغة في الصفة. وقال قوم: جرى ذلك مجرى قولهكنتم خير أمة أخرجت للناس } فاجرى الصفة على جماعتهم من اجل من فيهم على هذه الصفة. ثم بين تعالى الوجوه التي كرّم بها بني آدم بأنه حملهم في البرّ والبحر على ما يحملهم من الابل وغيرها، كما قال:والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } والبحر، والسفن التي خلقها لهم واجراها بالرياح فوق الماء ليبلغوا بذلك حوائجهم { ورزقناهم من الطيبات } يعني من الثمار والفواكه وطيبات الاشياء، وملاذها التي خص بها بني آدم ولم يشرك شيئاً من الحيوان فيها من فنون الملاذ. وقيل: من تفضيل بني آدم ان يتناول الطعام بيديه دون غيره، لان غيره يتناوله بفيه، وانه ينتصب، وما عداه على اربع او على وجهه.

وقوله: { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } وليس المراد بذلك تفضيلهم بالثواب، لان الثواب لا يتفضل به ابتداء، وانما فضلهم ابتداء بان خلق لهم من فنون النعم وضروب الملاذ ما لم يجعله لشيء من الحيوان، وانما فعل ذلك تفضلاً منه تعالى، ولما في ذلك من اللطف للعاقل، والصلاح الذي ينتظم ويتم بهذا التأويل، واستدل جماعته بقوله { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا } على تفضيل الملائكة على الانبياء، قال لان قوله { على كثير ممن خلقنا } يدل على ان ها هنا من لم يفضلهم عليهم، وليس الا الملائكة، لان ابن آدم افضل من كل حيوان سوى الملائكة بلا خلاف. وهذا باطل بما قلناه من ان المراد بذلك تفضيلهم بالنعم الدنياوية، والالطاف، وليس المراد بذلك الثواب بدلالة ابتدائهم بهذا التفضيل. والثواب لا يجوز الابتداء به.

وقوله { يوم ندعوا كل أناس بإِمامهم } قال الزجاج: يتعلق بقوله { يعيدكم... يوم ندعوا } وقيل: تقديره اذكر يوم. وقيل انه يتعلق بقوله { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً.. يوم ندعوا } ، لان ما فعله بهم من الالطاف في الدنيا، لان يطيعوا ويفعلوا من الافعال ما يدعون به يوم القيامة.

واختلفوا في الإمام الذي يدعون به يوم القيامة، فقال مجاهد وقتادة: إِمامه نبيه. وقال ابن عباس: إِمامه كتاب علمه. وروي عنه ايضاً أن إِمامهم كتابهم الذي انزل الله اليهم فيه الحلال والحرام والفرائض والاحكام. وقال البلخي: بما كانوا يعبدونه، ويجعلونه إِماماً لهم. وقال ابو عبيد: بما كانوا يأتمون به في الدنيا. وهو قول ابي جعفر وابي عبدالله (ع).

وقوله { فمن أُوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم... } الاية، جعل الله تعالى إِعطاء الكتاب باليمين من علامة الرضا والخلاص، وأَن من أعطي كتابه باليمين تمكن من قراءته وسهل له ذلك، وكان فحواه أن من أعطي كتابه بشماله أو وراء ظهره، فإِنه لا يقدر على قراءة كتابه، ولا يتأتى له، بل يتلجلج فيه، لما يراه من المعاصي الموبقات.

السابقالتالي
2