الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً } * { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً }

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم واذكر { إِذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إِبليس } وقد بينا أنّ امر الله تعالى بأن اسجدوا لآدم تعظيم لآدم وتفضيله عليهم وإِن كانت القربى بذلك السجود الى الله تعالى، وفي الناس من قال: انه كان بمنزلة القبلة لهم وإِن كان فيه تشريف له.

ثم اخبر تعالى ان الملائكة امتثلت امر الله فسجدت له { إِلا إِبليس } فقد قلنا ان اخبارنا تدل على ان ابليس كان من جملة الملائكة، وانما كفر بامتناعه من السجود، ومن قال ان الملائكة معصومون فان إِبليس لم يكن من جملة الملائكة والاستثناء في الآية استثناء منقطع و (إِلا) بمعنى (لكن) وإنما ضمه الى الملائكة من حيث جمعهم في الأمر، والتكليف بالسجود، فلذلك استثناه من جملتهم.

ثم اخبر تعالى عن إِبليس أنه قال { أأسجد لمن خلقت طيناً } على وجه الإِنكار لذلك، وأن من خلق من نار أشرف وأعظم، من الذي خلق من طين، وآدم اذا كان مخلوقاً من طين كيف يسجد له من هو مخلوق من نار، وهو ابليس، وذلك يدل على ان إِبليس فهم من ذلك الأمر تفضيله عليه، ولو كان بمنزلة القبلة لما كان لامتناعه عليه وجه، ولا لدخول الشبهة بذلك مجال.

و { طيناً } نصب على التمييز، ويجوز ان يكون نصباً على الحال. والمعنى إِنك انشأته في حال كونه من طين.

ووجه الشبهة الداخلة على إِبليس ان الفروع ترجع الى الاصول فتكون على قدرها في التكبر أو التصغر، فلما اعتقد أن النار اكرم أصلا من الطين جاء منه انه أكرم ممن خلق من طين، وذهب عليه بجهله أن الجواهر كلها متماثلة، وان الله تعالى يصرفها بالاعراض كيف شاء مع كرم جوهر الطين وكثرة ما فيه من المنافع التي تقارب منافع النار او توفى عليها.

وانما جاز ان يأمره بالسجود له، ولم يجز ان يأمره بالعبادة له، لأن السجود يترتب في التعظيم بحسب ما يراد به، وليس كذلك العبادة التي هي خضوع بالقلب ليس فوقه خضوع، لأنه يترتب في التعظيم بحسب نيته؛ يبين ذلك انه لو سجد ساهياً لم يكن له منزلة في التعظيم على قياس غيره من افعال الجوارح. قال الرماني: الفرق بين السجود لآدم والسجود الى الكعبة، ان السجود لآدم تعظيم له باحسانه، وهذا يقارب قولنا في أنه قصد بذلك تفضيله بأن امره بالسجود له.

ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن المعنى ما يزيدهم إِلا طغياناً كبيراً محققين ظن إِبليس فيهم مخالفين موجب نعمة ربهم على أمتهم وعليهم. ثم حكى تعالى عن إِبليس أنه قال { أرأيتك هذا الذي كرمت عليّ } ومعناه اخبرني عن هذا الذي كرّمته عليّ لم كرّمته علي؟ وقد خلقتني من نار وخلقته من طين! فحذف لدلالة الكلام عليه.

السابقالتالي
2