الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } * { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }

اخبر الله تعالى انه ليس { من قرية إِلا } والله تعالى مهلكها { قبل يوم القيامة }. بكفر من فيها من معاصيهم جزاء على افعالهم القبيحة { أو معذبوها عذاباً شديداً } والمعنى ان يكون إِما الإِهلاك والإستئصال أو العذاب، والمراد بذلك قرى الكفر والضلال دون قرى الإيمان. وقيل إِن ذلك يكون في آخر الزمان، فيهلك الله كل قرية بعقوبة بعض من فيها، ويكون امتحاناً للمؤمنين الذين فيها. وقيل: ان المعنى ما من قرية إِلا والله مهلكها إِما بالموت لأهلها او عذاب يستأصلهم ثم اخبر أن ذلك كائن لا محالة، ولا يكون خلافه، لان ذلك مسطور في الكتاب يعني في اللوح المحفوظ، والمسطور هو المكتوب يقال: سطر سطراً، قال العجاج:
واعلم بأن ذا الجلال قد قدر   في الصحف الاولى التي كان سطر
ثم قال { وما منعنا أن نرسل بالآيات } يعني الآيات التي اقترحتها قريش من قولهم: حول لنا الصفا ذهباً وفجر لنا من الارض ينبوعا، وغير ذلك، فأنزل الله الآية إِني إِن حولته، فلم يؤمنوا لم امهلهم كسنتي فيمن قبلهم، وهو قول قتادة وابن جريج. والمنع وجود ما لا يصح معه وقوع الفعل من القادر عليه فكأنه قد منع منه، ولا يجوز إِطلاق هذه الصفة في صفات الله، والحقيقة إِنا لم نرسل بالآيات لئلا يكذب بها هؤلاء كما كذَّب من قبلهم، فيستحقوا المعاجلة بالعقوبة. وقال قوم: يجوز أن يكون قوله تعالى { إِلا أن كذب بها الأولون } تكون (إِلا) زايدة، وتقديره ما منعنا ان نرسل بالآيات { أن كذب بها الأولون } أي لم يمنعنا ذلك من إِرسالها بل أرسلناها مع تكذيب الاولين. ومعنى { أن كذب } هو التكذيب، كما تقول: أريد ان تقوم بمعنى أريد قيامك. ويحتمل ان يكون " إِلا " بمعنى (الواو) كما قاللئلا يكون للناس عليكم حجة إِلاّ الذين ظلموا } معناه والذين ظلموا منهم، فلا حجة لهم عليهم. ويكون المعنى وما منعنا أن نرسل بالآيات وإِن كذب بها الأولون أي لسنا نمتنع من إِرسالها، وإِن كذبوا بها و (أن) الاولى في موضع نصب بوقوع " منعنا " عليها. و (أن) الثانية رفع والمعنى، وما منعنا إِرسال الآيات إِلا تكذيب الاولين من الامم، والفعل لـ (أن) الثانية.

وقوله { وآتينا ثمود الناقة مبصرة } معناه مبصرة تبصر الناس بما فيها من العبر، والهدى من الضلالة والشقاء من السعادة، ويجوز أن يكون المراد انها ذات إِبصار، حكى الزجاج: مبصرة بمعنى مبينة، وبالكسر معناه تبين لهم، قال الفراء: مَبصرة مثل مَجبنة ومَنحلة، وكل (مَفعلة) وضعته موضع (فاعل) أغنت عن الجمع والتأنيث، تقول العرب: هذا عشب ملبنة، مسمنة. والولد مجبنة منحلة. وان كان من الياء والواو، فاظهرهما، تقول سراب مبولة، وكلام مهينة للرجال قال عنترة:


السابقالتالي
2