الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً } * { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }

{ يوم } يتعلق بقوله { قل عسى أن يكون } بعثكم ايها المشركون { قريباً يوم يدعوكم } وقيل في معني قوله { يوم يدعوكم } قولان:

احدهما - انهم ينادون بالخروج إِلى ارض المحشر بكلام تسمعه جميع العباد، وذلك يكون بعد ان يحييهم الله، لأنه لا يحسن ان ينادى المعدوم ولا الجماد.

الثاني - انهم يسمعون صيحة عظيمة، فتكون تلك داعية لهم إِلى الاجتماع إِلى ارض القيامة، ويجوز أن يكون ذلك عبارة عن البعث ويكون اجرى صرخة ثانية بسرعة فأجرى مجرى، دعي فأجاب في الحال { فيستجيبون بحمده } قيل في معناه قولان:

احدهما - تستجيبون حامدين، كما يقول القائل: جاء فلان بغضبه اي جاء غضبان.

الثاني - تستجيبون على ما يقتضيه الحمد لله (عز وجل)، وقيل: معناه يستجيبون معترفين بأن الحمد لله على نعمه، لا ينكرونه، لأن معارفهم هناك ضرورة قال الشاعر:
فإِني بحمد الله لا ثوب فاجر   لبست ولا من غدرة اتقنع
والاستجابة موافقة الداعي فيما دعا اليه بفعله من اجل دعائه، وهي والإجابة واحدة إِلا ان الاستجابة تقتضي طلب الموافقة بالارادة بأوكد من الإِجابة.

وقوله { وتظنون إِن لبثتم إِلا قليلاً } قيل في معناه قولان:

احدهما - انهم لما يرون من سرعة الرجوع يظنون قلة اللبث.

الثاني - انه يراد بذلك تقريب الوقت، كما حكي عن الحسن انه قال: كأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل. وقال قتادة: المعنى احتقاراً من الدنيا حين عاينوا يوم القيامة. وقال الحسن ان { لبثتم إِلا قليلاً } في الدنيا لطول لبثكم في الآخرة.

وقوله { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } قال الحسن: معناه { قل } يا محمد { لعبادي } يأمروا بما امر الله به، وينهوا عما نهى عنه. وقال الحسن: معناه قل لعبادي يقل بعضهم لبعض أحسن ما يقال، مثل رحمك الله ويغفر الله لك. ثم أخبر تعالى فقال { إِن الشيطان ينزع بينهم } اي يفسد بينهم ويلقي بينهم العداوة والبغضاء. وقال { إِن الشيطان كان } في جميع الأوقات عدواً مبايناً { للإنسان } آدم وذريته.

وقوله { وربكم أعلم بكم } معناه التحذير لعباده من إِضمار القبيح، والترغيب في الجميل، لأنه عالم به يقدر أن يجازي على كل واحد منه بما هو حقه { إِن يشأ يرحمكم } بالتوبة { وإِن يشأ يعذبكم } بالاقامة على المعصية.

وقوله { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } معناه إِنا ما وكّلناك بمنعهم من الكفر بل أرسلناك داعياً لهم إِلى الايمان وزاجراً عن الكفر، فإِن أجابوك، وإِلاّ، فلا شيء عليك واللائمة والعقوبة يحلان بهم.