الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً } * { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً } * { إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً }

يقول الله تعالى { وإِمّا تعرضنّ } وتقديره، وإِن تعرض و (ما) زايدة. والمعنى: ومتى ما صرفت وجهك عنهم، يعني عن الذين أمروا بإِعطائهم حقوقهم ممن تقدم ذكره، لأنه قد يعرض عند عوز ما طلبوه، ليبتغي الفضل من الله، والسعة التي يمكنه معها البذل، والتقدير وإِذا أتتك قرابتك أو سواهم من المحتاجين يسألونك فأعرضت عنهم, لأنه لا شيء عندك، فقل لهم قولا حسناً، اي عدهم عدة جميلة. والاعراض صرْف الوجه عن الشيء، وقد يكون عن قلى, وقد يكون للاشتغال بما هو الاولى، وقد يكون لاذلال الجاهل مع صرف الوجه عنه، كما قالوأعرض عن الجاهلين } وقوله { ابتغاء رحمة من ربك ترجوها } والابتغاء الطلب. وقوله { ترجوها } معناه تأملها، والرجاء تعلق النفس بطلب الخير ممن يجوز منه، ومن يقدرعلى كل خير وصرف كل شر، فهو أحق بأن يرجا، ولذلك قال أمير المؤمنين (ع) (ألا لا يرجون احدكم إِلا ربه، ولا يخافن إِلا ذنبه).

وقوله: { وقل لهم قولاً ميسوراً } المعنى إِذا أعرضت ابتغاء رزق من ربك، فقل لهم قولا ليناً سهلا، مثل: زقنا الله تعالى، وهو قول الحسن ومجاهد وابراهيم وغيرهم. وقال ابن زيد: تعرض عنهم إِذا خشيت أن ينفقوا بالعطية على معاصي الله، فيكون تبتغي رحمة من الله لهم بالتوبة، وأصل التيسير التسهيل، واليسر خلاف العسر، وقد يكون التيسير بالتقليل، فيسهل عليه لقلته، ويكون بمنزلة المعونة على عمله.

ثم قال تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إِلى عنقك } أي لا تكن ممن لا يعطي شيئاً ولا يهب، فتكون بمنزلة من يده مغلولة إِلى عنقه، لا يقدر على الاعطاء وذلك مبالغة في النهي عن الشحّ والامساك { ولا تبسطها كل البسط } أي ولا تعط ايضاً جميع ما عندك، فتكون بمنزلة من بسط يده حتى لا يستقر فيها شيء وذلك كناية عن الاسراف. وقوله { فتقعد ملوماً محسوراً } معناه إِن امسكت قعدت ملوماً عند العقلاء مذموماً، وإِن اسرفت بقيت محسوراً، أي مغموماً متحسراً، وأصل الحسر الكشف من قولهم، حسر عن ذراعيه يحسر حسراً، إِذا كشف عنهما. والحسرة الغم لانحسار ما فات، ودابة حسير إِذا كلت لشدة السير، لانحسار قوتها بالكلال. وكذلك قولهينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير } والمحسور المنقطع به لذهاب ما في يده، وانحساره انقطاعه عنه، قال الهذلي:
إِن العسير بها داء مخامرها   فشطرها نظر العينين محسور
ثم قال { إِن ربك } يا محمد { يبسط الرزق لمن يشاء } فيوسعه عليه على حسب ما يعلم له من المصلحة فيه { ويقدر } أي يضيق عليه لعلمه بما فيه من الصلاح، كما قالولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } وقوله { إنه كان بعباده خبيراً بصيراً } أي وهو عالم بأحوالهم، لا يخفى عليه ما يصلحهم، وما يفسدهم، فيفعل معهم بحسب ذلك.