الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }

قرا حمزة والكسائي وخلف " يبلغان " بألف وكسر النون على التثنية. الباقون يبلغن على الوحدة. وقرأ ابن كثير، وابن عباس، ويعقوب " افّ " بفتح الفاء من غير تنوين. وقرأ اهل المدينة وحفص بكسر الفاء مع التنوين. الباقون بكسر الفاء من غير تنوين. ومثله في الاحقاف.

قال ابو علي الفارسي قوله { أحدهما } مرتفع بالفعل، وقوله { أو كلاهما } معطوف عليه، والذِّكر الذي عاد من قوله { أحدهما } يغني عن إِثبات علامة الضمير في { يبلغنّ } , فلا وجه لمن قال: إِن الوجه إِثبات الالف، لتقدم ذكر الوالدين. ويجوز ان يكون رفع { أحدهما } على البدل من الضمير في { يبلغان } ويجوز ان يرفعه بفعل مجدد على تقدير إِما يبلغان عندك الكبر. يبلغ احدهما او كلاهما، ويكون رفعاً على السؤال والتفسير كقولهوأسروا النجوى الذين ظلموا } ومن اثبت الألف، فعلى وجه التأكيد، ولو لم يذكر لم يخلّ بالكلام نحو قولهأموات غير أحياء } فقوله { غير أحياء } توكيد، لأن قوله { أموات } دل عليه قال: وقول ابن كثير (أفَّ) يبني الفاء على الفتح، لأنه وان كان في الأصل مصدراً من قولهم (أفه وتفه) يراد به نتناً وذفراً، لقد سمي الفعل به فبني، وهذا في البناء على الفتح كقولهم (سرعان ذا إِهالة) لما سار اسماً لـ (سرع)، فكذلك (أفَّ) لما كان اسماً لـ (كره)، ومثله ريداً، في أنه سمي به الفعل، فبني ولم يلحق التنوين إِلا ان هذا للأمر والنهي، واف في الخبر. وقول نافع في البناء على الكسر مع التنوين، مثل (أف) في البناء على الفتح: إِلا أنه بدخول التنوين دل على التنكير مثل إِيه ومه وصه، ومثله قولهم صه، فبنوه على الكسر، وإِن كان في الأصل مصدراً، كما كان (أف) في الأصل كذلك، ومن كسر ولم ينون جعله معرفة، فلم ينون، كما أن من قال: صه وضاف، فلم ينون اراد به المعرفة.

وموضع (أف) على اختلاف القراءات موضع الجمل، مثل (رويد) في أن موضعه موضع الجمل وكذلك لو قلت: هذا فدا قال أبو الحسن. وقول من قال (اف) اكثر وأجود ولو جاء (أفّاً لك) أحتمل أمرين: احدهما - أن يكون الذي صار إِسماً للفعل لحقه التنوين لعلامة التنكير. والآخر أن يكون نصباً معرباً، وكذلك الضمير، فإِن لم يكن معه لك كان ضعيفاً، كما انك لا تقول ويل حتى تقرن به لك، فيكون في موضع الخبر و (أف) كلمة يكنى بها عن الكلام القبيح وما يتأفف به، لأن التف وسخ الظفر و (الاف) وسخ الاذن. وقيل التف كل ما رفعت بيدك من حقير من الأَرض، وقيل معنى الأف الثوم، وقيل الشرّ، وقد جرى مجرى الاصوات، فزال عنه الاعراب مثل (صه) ومعناه اسكت، ومه ومعناه كفَّ وهيهات هيهات اي بعيد بعيد، فاذا نوّنت أردت النكرة أي سكوتا وقبحاً، واذا لم تنون أردت المعرفة.

السابقالتالي
2