الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } * { وَآتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } * { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }

قرأ ابو عمرو وحده { ألاّ يتخذوا } بالياء. الباقون بالتاء، والمعنى فيهما قريب، والتقدير، { وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألاّ تتخذوا } وقلنا لهم: لا تتخذوا، كما تقول: قلت لزيد قم، وقلت له ان يقوم. وقال تعالىقل للذين كفروا ستغلبون } بالتاء والياء. ومعنى { من دوني وكيلاً } أي كافياً وربا، ونصب { ذرّية } على النداء، وهو خطاب لجميع الخلق، لأن الخلق كله من نسل نوح من بنيه الثلاثة: حام: وهو ابو السودان، ويافث: وهو أبو البيضان: الروم والترك والصقالبة وغيرهم، وسام: وهو ابو العرب والفرس. وتقديره يا ذرّية من حملنا، ووزن " ذرية " فعلية، من الذر، ويجوز ان يكون (فعولة) من الذر واصله (ذروية) فقلبت الواو ياء وادغمت في الياء، قال أبو علي النحوي: ويجوز ان يكون نصبا على أنه مفعول الاتخاذ لأنه فعل يتعدى إِلى مفعولين كقولهواتخذ الله إبراهيم خليلاً } وقالاتخذوا أيمانهم جنة } وعلى هذا يكون مفعولا ثانياً على القراءتين، ومتى نصبته على النداء، فانما يتأتى ذلك في قراءة من قرأ بالتاء، والاسهل أن يكون على قراءة من قرأ بالياء، لأن الياء للغيبة، والنداء للخطاب، و (أن) في قوله { ألا تتخذوا } يحتمل ثلاثة أوجه:

احدها أن تكون (أن) الناصبة للفعل، والمعنى جعلناه هدى، كراهة أن تتخذوا، أو لان لا تتخذوا.

والثاني - أن تكون (أن) بمعنى أي، لانه بعد كلام تام والتقدير أي لا تتخذوا.

والثالث - أن تكون (أن) زائدة، ويضمر القول.

والوكيل لفظه واحد، والمراد به الجمع، لأن معناه حينئذ (فعيلا) فيكون مفرد اللفظ والمراد به الجمع، نحو قولهوحسن أولئك رفيقاً } قال أبو عبيد: أهل المدينة يقولون في نصب { سبحان } أنه اسم في موضع مصدر سبحت الله تسبيحاً، والتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم منه، كقولك كفّرت اليمين تكفيراً، أو كفراناً، والتكفير المصدر، والكفران الاسم، قال أمية ابن أبي الصلت:
سبحانه ثم سبحاناً يعود له   وقبلنا سبح الجودي والجمد
وقال بعضهم انه يجوز أن يكون نصباً على النداء، يريد: يا سبحان ومعناه: التنزيه لله والتبعيد له من كل ما لا يليق به، والتسبيح يكون بمعنى الصلاة، كقولهفلولا أنه كان من المسبحين } أي من المصلين - ذكره اكثر المفسرين - ومنه السبحة وهي النافلة. وروي أنه كان ابن عمر يصلي سبحته في موضعه الذي يصلي فيه المكتوبة ويكون بمعنى الاستثناء، كقوله { فلولا تسبحون } أي فلولا تستثنون، وهي لغة لبعض أهل اليمن، ولا وجه للكلام غيره، لأنه قال { إِنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة } الى قوله { ولا يستثنون } ثمقال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون } فذكّرهم تركهم الاستثناء فأما سبحة النور التي دون الله، قال المبرد: لا يعرف إِلا من الخبر الذي روي (لولا ذلك لاحرقت سبحات وجهه) بمعنى نور وجهه أي الذي إِذا رأى الرائي قال سبحان الله.

السابقالتالي
2 3