الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا ٱلْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }

قرأ يعقوب { آمرنا } بمد الهمزة. وعن الحسن { أمّرنا } بالتشديد، وروي عنه { أمِرنا } بكسر الميم خفيفة وهي ردية.

ذكر في هذه الآية وجوه أربعة:

أحدها - ان مجرد الاهلاك لا يدل على أنه حسن أو قبيح، بل يمكن وقوعه على كل واحد من الأمرين، فإِذا كان واقعاً على وجه الظلم، كما قبيحاً، وإِذا كان واقعاً على وجه الاستحقاق أو على وجه الامتحان، كان حسناً، فتعلق الارادة به لا يقتضى تعلقها على الوجه القبيح. وإِذا علمنا أن القديم لا يفعل القبيح، علمنا أن إِرادته الاهلاك على الوجه الحسن.

وقوله { أمرنا مترفيها } المأمور به محذوف، وليس يجب أن يكون المأمور به هو الفسق وان وقع بعده الفسق، بل لا يمتنع أن يكون التقدير: وإِذا أردنا أن نهلك قرية أمرناهم بالطاعة، ففسقوا فيها فحق عليها القول، وجرى ذلك مجرى قولهم: أمرته فعصى ودعوته فأبى، والمراد أمرته بالطاعة ودعوته إِلى الاجابة والقبول، فعصى.

فإن قيل: أيّ معنى لتقدم الارادة؟ فإِن كانت متعلقة بإِهلاك يستحق بغير الفسق المذكور في الآية، فلا معنى لقوله { إِذا أردنا... أمرنا } ، لأن أمره بما يأمر به لا يحسن إِرادته للعقاب المستحق بما تقدم من الأفعال، وإِن كانت الارادة متعلقة بالاهلاك المستحق بمخالفة الأمر المذكور في الآية، فهو الذي تأبونه، لأنه يقتضي أنه تعالى مريد لإهلاك من لم يستحق العقاب!!.

قلنا: لم تتعلق الارادة إِلا بالإِهلاك المستحق بما تقدم من الذنوب، وإِنما حسن قوله { إِذا أردنا... أمرنا } أن في تكرار الأمر بالطاعة بالايمان إِعذاراً للعصاة وإِنذاراً لهم وإِيجاباً للحجة عليهم، ويقوي ذلك قوله قبل هذه الآية { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } منبهاً بذلك أنه أراد إِثبات الحجة وتكررها عليهم

الثاني - أن يكون قوله { أمرنا مترفيها } من صفة القرية وصلتها، ولا يكون جواباً لقوله { وإِذا أردنا } ويكون تقدير الكلام: وإِذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا { أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } ولا يكون لـ (إِذا) جواب ظاهر في اللفظ، للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه، ومثله قولهحتى إِذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم } إِلى قولهفنعم أجر العاملين } ولم يأت لـ (إذا) جواب في طول الكلام للاستغناء عنه، وقال الهذلي:
حتى إِذا أسلكوهم في قتائدة   شلاً كما يطرد الجمالة الشردا
فحذف جواب (إِذا) ولم يأت به، لأن هذا البيت آخر القصيدة.

الثالث - أن يكون الكلام على التقديم والتأخير، وتقديره إِذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة، فعصوا، واستحقوا العقاب، أردنا إِهلاكهم، ويشهد بهذا التأويل قولهيا أيها الذين آمنوا إِذا قمتم إِلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } فالطهارة انما تجب قبل القيام الى الصلاة.

السابقالتالي
2