الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً } * { وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً }

هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن { قل } يا محمد لمشركي قومك المنكرين لنبوّتك الجاحدين لدعائك وتسميتك الله تعالى بالرحمن { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } أيها القوم { أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } معناه بأي أَسمائه تعالى تدعون ربكم به، وانما تدعون واحد، فله الاسماء الحسنى، وانما أمره بذلك؛ لان مشركي قومه لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تارة بأنه الله وتارة بأنه الرحمن، فظنوا أنه يدعو إِلهين حتى قال بعضهم: الرحمن رجل باليمامة، فأنزل الله هذه الآية احتجاجاً لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك، وانه شيء واحد، وإِن اختلفت أسماؤه وصفاته، وبه قال ابن عباس ومكحول ومجاهد وغيرهم.

(وما) في قوله { أيّاً ما } يحتمل أن يكون صلة، كقولهعمّا قليل ليصبحن نادمين } ويحتمل أن يكون بمعنى أي كررت لاختلاف لفظها، كما قالوا: ما رأينا كالليلة ليلة.

وقوله { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً } نهي من الله تعالى عن الجهر العظيم في حال الصلاة، وعن المخافتة الشديدة وأمر بأن يتخذ بين ذلك سبيلاً. وحدّ أصحابه الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره، والمخافتة بأن يسمع نفسه.

واختلفوا في الصلاة التي عنى بها بالآية في قوله { ولا تجهر بصلاتك } فقال الحسن لا تجهر بإِشاعتها عند من يؤذيك، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك. وقال قوم: لا تجهر بدعائك ولا تخافت، ولكن بين ذلك، قالوا: والمراد بالصلاة الدعاء، ذهبت اليه عائشة، وابن عباس، وأبو عياض، وعطاء، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، والزبير، ومكحول. وروي عن ابن عباس - في رواية أخرى - أن النبيّ كان إِذا صلى يجهر في صلاته، فسمعه المشركون فشتموه وآذوه وآذوا أصحابه، فأمر الله بترك الجهر، وكان ذلك بمكة في اول الامر، وبه قال سعيد بن جبير. وقال قوم: أراد لا تجهر بتشهدك في الصلاة ولا تخافت به، روي ذلك عن عائشة - في رواية أخرى - وبه قال ابن سيرين. وقال قوم: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة جهراً فأمر بإِخفاتها، ذهب اليه عكرمة والحسن البصري، وقال قوم: معناه لا تجهر بصلاتك تحسنها مراآة، في العلانية، ولا تخافت بها، تثني في القيام بها في السريرة، روي ذلك عن الحسن وقتادة وابن عباس في رواية. وبه قال ابن زيد وابن وهب. وقال الطبري: يحتمل أن يكون المراد لا تجهر بصلاتك صلاة النهار العجماء، ولا تخافت بها، يعني صلاة الليل التي تجهر فيها بالقراءة، قال: وهذا محتمل غير انه لم يقل به أحد من أهل التأويل.

السابقالتالي
2