الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلْسُّوۤءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوۤاْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قرأ ابن كثير، وعاصم { ولنجزين الذين صبروا } بالنون. الباقون بالياء. من قرأ بالنون فحجته إِجماعهم على قوله { ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } أنه بالنون. ومن قرأ بالياء، فلقوله { وما عند الله باق } وليجزين الله الذين صبروا.

نهى الله عباده المكلفين ان يتخذوا ايمانهم دخلاً بينهم، وقد فسرنا معنى دخلاً، وبيّن تعالى انه متى خالفوا ذلك زلت اقدامهم بعد ثبوتها، وهو مثل ضربه الله، والمعنى أنهم يضلّ بعد ان كان على الهدى. وقال قوم: الآية نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام والنصرة، نهوا عن نقض عهده، وترك نصرته.

وقوله: { وتذوقوا السوء } يعني العذاب، جزاء على معاصيكم وما صددتم عن اتباع سبيل الله، ولكم مع ذلك عذاب عظيم تعذبون به. ثم نهاهم، فقال: { ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً } أي لا تخالفوا عهد الله بسبب شيء يسير تنالونه من حطام الدنيا، فيكون قد بعتم ما عند الله بالشيء الحقير، وبيّن ان الذي عند الله هو خير، وأشرف لكم إِن كنتم تعلمون حقيقة ذلك وتحققونه، ثم قال: إِن الذي عند الله لا ينفد، هو باق، والذي عندكم من نعيم الدنيا ينفد ويفنى، ثم أخبر بأنه يجزي الصابرين على بلائه وجهاد اعدائه أجرهم وثوابهم { بأحسن ما كانوا يعملون } وإِنما قال بأحسن ما كانوا، لأن احسن أعمالهم هو الطاعة لله تعالى، وما عداه من الحسن مباح ليس بطاعة، ولا يستحق عليه أجر ولا حمد، وذلك يدل على فساد قول من قال: لا يكون حسن احسن من حسن.