الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } * { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

قرأ نافع وابن عامر وابو بكر عن عاصم { نسقيكم } بفتح النون الباقون بضمها. والفرق بين اسقينا وسقينا أنّ معنى اسقيناه جعلنا له شراباً دائماً من نهر أو لبن او غيرهما، وسقيناه شربة واحدة، ذكره الكسائي قال لبيد:
سقي قومي بني مجد وأسقى   نُميراً والقبائل من هلال
فعلى هذا هما لغتان، والأظهر ما قال الكسائي. عند اهل اللغة. وقال قوم: سقيته ماء كقولهوسقاهم ربهم شراباً طهوراً } واسقيته سألت الله ان يسقيه وانشد لذي الرّمة:
وقفت على ربع لمية ناقتي   فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثَّه   تكلمني أحجاره وملاعبه
وقيل ان ما كان من الأنهار وبطون الأودية، فبالضم. وقال ابو عبيدة: إِذا سقاه مرة يقال سقيته، واذا سقاه دائماً يقال أسقيته.

يقول الله تعالى لخلقه المكلفين { إِن لكم في الأنعام } يعني الابل والبقر والغنم { لعبرة } ودلالة لأنّا { نسقيكم مما في بطونه } وقيل في تذكيره ثلاثة اقوال:

احدها - انه ردّ الى واحد. لان النعم والانعام بمعنى، قال سيبويه: والاسم الواحد يجيء على (افعال) يقال هو الانعام. قال تعالى { في بطونه } ذهب الى أنه اسم واحد بلفظ الجمع، كما أن الخيل اسم مؤنث، لا واحد له، والنعم اسم مذكر للجماعة، لا واحد له، وقال الراجز:
وطاب ألبان اللقاح فبرد   
رده الى اللبن.

الثاني - انه حمل على المعنى، والتقدير بطون ما ذكرنا، كما قال الصلتان العبدي:
إِن السماحة والمرؤة ضمنا   قبراً بمرو في الطريق الواضح
كأنه قال شيئان ضمنا.

الثالث - لانه في موضع (اي) كأنه قال { نسقيكم مما في بطونه } اي من اي الانعام وكان في بطونه اللبن، لأنه ليس كلها مما فيه لبناً.

وقوله { من بين فرث ودم لبناً خالصاً } فالفرث الثفل الذي ينزل الى الكرش فبين انه تعالى يخرج ذلك اللبن الصافي، اللذيذ، المشهى من بين ذلك، وبين الدم الذي في العرق النجس { سائغاً للشاربين } أي مريئاً لهم لا ينفرون منه، ولا يشرقون بشربه، وذلك من عجيب آيات الله ولطف تدبيره وبديع حكمته، الذي لا يقدر عليه غيره، ولا يتأتى من احد سواه.

ثم قال { ومن ثمرات } وهو جمع ثمرة، وهو ما يطعمه الشجر، ما فيه اللذة والثمرة خاصة طعم الشجر مما فيه اللذة يقال: اثمرت الشجرة إِثماراً اذا حملت كالنخلة والكرمة وغيرهما من اصناف الشجر.

وقوله { يتخذون منه سكراً } قيل في معنى السكر قولان:

احدهما - تتخذون منه ما حل طعمه من شراب او غيره، ذكره الشعبي وغيره.

وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وأبي رزين والحسن ومجاهد وقتادة: ان السكر ما حرم من الشراب، والرزق الحسن ما احل منه. والسكر في اللغة على اربعة اقسام: احدها ما اسكر، والثاني ما طعم من الطعام كما قال الشاعر:

السابقالتالي
2