الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } * { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }

قرأ حمزة والكسائي وخلف { أولم تروا } بالتاء، الباقون بالياء.

من قرأ بالتاء حمله على الجمع. ومن قرأ بالياء، فعلى ما قبله، من قوله { أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم... أو يأخذهم } , وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رأوا ذلك وتيقنوه، فلذلك عدل عن الخطاب.

وقرأ ابو عمرو ويعقوب { تتفيؤا ظلاله } بالتاء. الباقون بالياء، فمن أنث فلتأنيث الظلال، لانه جمع ظل، فكل جميع مخالف الآدميين، فهو مؤنث تقول: هذه الاقطار وهذه المساجد. ومن ذكَّر، فلأن الظلال وإِن كان جمعاً، فهو على لفظ الواحد مثل (جدار)، لان جمع التكسير يوافق الواحد.

يقول الله تعالى لهؤلاء الكفار الذين جحدوا وحدانيته، وكذبوا نبيه، على وجه التنبيه لهم على توحيده { أولم يروا } هؤلاء الكفار { إلى ما خلق الله } من جسم قائم، شجر او جبل او غيره، فصير ظلاله فيئاً اي تدور عليه الشمس ثم يرجع الى ما كان قبل زوال الشمس عنه. وقال ابن عباس (يتفيئو) يرجع من موضع الى موضع ويتميل، يقال منه: فاء الظل يفيء فيئاً إِذا رجع، وتفيَّأ يتفيَّؤ تفيؤاً بمعنى واحد.

وقوله { عن اليمين والشمائل } معناه في اول النهار وآخره - في قول قتادة والضحاك وابن جريج - يتقلص الفيء عن الجبل من جهة اليمين وينقص بالعشي من جهة الشمال. وإِنما قال عن اليمين - على التوحيد - والشمائل - على الجمع - لأحد أمرين:

احدهما - انه اراد باليمين الأيمان، فهو متقابل في المعنى، ويتصرف في اللفظ على الايجاز، كما قال الشاعر:
بفيّ الشامتين الصخر ان كان هدّني   زرية شبلي مخدر في الضراغم
والمعنى بأفواه، وقال آخر:
الواردون وتيم في ذرى سبإِ   قد عضّ اعناقهم جلد الجواميس
وقوله { سجداً لله وهم داخرون } معناه إِنها خاضعة لله ذليلة، بما فيها من الدلالة على الحاجة الى واضعها ومدبرها، بما لولاه لبطلت، ولم يكن لها قوام طرفة عين، فهي في ذلك كالساجد، من العباد بفعله، الخاضع بذاته، كأنه من بسط الشمس عليه في أول النهار. ثم قبضها عنه الى الجهة الأخرى. ثم قبضها ايضاً عنه، فتغيرت حاله. والتغيير يقتضي مغيراً غيَّره ومدبّراً دبّره. قال الحسن: اما ذلك فيسجد لله، واما انت فلا تسجد لله؟! بئس والله ما صنعت. و(الداخر) الخاضع الصاغر، دخر يدخر دخراً ودخوراً، إذا ذل وخضع قال ذو الرمة:
فلم يبق إِلا داخر في مخيَّس   ومنجحر في غير أرضك في جحر
ثم أخبر تعالى انه يسجد له جميع { ما في السماوات وما في الأرض } والسجود هو الخضوع بالعبادة او الدعاء إِلى العبادة، فكل شيء من مقدوراته تعالى يسجد بالدعاء إِلى العباده بما فيه من الآية، الذي يقتضي الحاجة اليه تعالى، وكل محقٍّ من العباد فهو يسجد بالعبادة.

السابقالتالي
2