الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول له إِنا لم نرسل من قبلك إِلا رجالا امثالك من البشر { نوحي إليهم } أي يوحي الله اليهم. ومن قرأ بالنون، وهو حفص، أَراد نوحي نحن، إِخبار منه تعالى. ثم قال الله لهم { فاسألوا أهل الذكر إِن كنتم لا تعلمون } صحة ما اخبرناكم به من أنّا ارسلنا رجالا قبلك وأوحينا اليهم. وقال ابن عباس ومجاهد: المعني بأهل الذكر أهل الكتاب ومنهم من قال: المراد من آمن من اهل الكتاب، ومنهم من قال: امر مشركي العرب ان يسألوا اهل الكتاب عن ذلك فانهم لا يتهمونهم. وقال ابن زيد: يريد اهل القرآن لان الذكر هو القرآن. وقال الرماني والازهري والزجاج: المعني بذلك اهل العلم بأخبار من مضى من الامم، سواء كانوا مؤمنين او كفاراً، وما آتاهم من الرسل قال: وفي ذلك دلالة على انه يحسن ان يرد الخصم - اذا التبس عليه امر - الى أهل العلم بذلك الشيء ان كان من اهل العقول السليمة من آفة الشبه.

والذكر ضد السهو وسمي العلم بذلك، لأنه منعقد بالعلم، وهو بمنزلة السبب المؤدي اليه في ذكر الدليل؛ واذا تعلق هذا التعلق حسن ان يقع موقعه وينبىء عن معناه.

وروى جابر عن ابي جعفر (ع) انه قال: (نحن اهل الذكر).

وقوله { بالبينات والزبر } العامل بالباء أحد امرين:

احدهما - قوله { أرسلنا } والتقدير ما ارسلنا قبلك إِلاَّ رجالاً بالبينات نوحي اليهم.

الثاني - ان يكون على حذف (أرسلنا بالبينات) كما قال الأعشى:
وليس مجيراً إِن أتى الحي خائف   ولا قائل إِلا هو المتعيِّبا
أي أعني المتعيبا، ومثل الأول، قول الشاعر:
نبِّئتهم عذّبوا بالنار جارتهم   وهل يعذّب إِلاّ الله بالنار
وقوله { بالبينات والزّبر } اي بالدلالات الواضحات والكتب المنزلة. والزّبر الكتب، واحدها زبور، يقال: زبرت الكتاب أزبره زبراً إِذا كتبته. ثم قال { وأنزلنا إليك } يا محمد { الذِّكر } يعني القرآن { لتبين للناس ما نزِّل إِليهم } فيه من الاحكام والدلالة على توحيد الله، لكي يتفكروا في ذلك ويعتبروا، وانما قال { وما أرسلنا من قبلك إِلا رجالاً } مع انه أرسل قبله الملائكة، لأن المعنى وما أرسلنا من قبلك الى الأمم الماضية إِلا رجالاً بدلالة الآية، لانها حجة عليهم في انكار رسول الله الى الناس من الرجال.