الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قرأ اهل الكوفة { يهدي } بفتح الياء وكسر الدال. الباقون بضم الياء وفتح الدال، ولم يختلفوا في ضم ياء يضل وكسر الضاد.

فمن فتح الياء وكسر الدال احتمل ذلك امرين:

احدهما - انه اراد ان الله لا يهدي من يضله.

والثاني - أن من اضله الله لا يهتدي.

ومن ضم الياء أراد من أضله الله لا يقدر أحد ان يهديه، وقوّوا ذلك بقراءة أُبي { لا هادي لمن اضل الله } واسم الله تعالى اسم (إِن) و (يضل) الخبر.

ومعنى اضلال الله - ها هنا - يحتمل امرين:

احدهما - ان من حكم الله بضلاله وسماه ضالاً، لا يقدر أحد ان يجعله هاديا ويحكم بذلك.

والثاني - إِن من أضله الله (عز وجل) عن طريق الجنة لا احد يقدر على هدايته اليها، ولا يقدر هو ايضا على أن يهتدي اليها.

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { إن تحرص } يا محمد على ان يؤمنوا ويهتدوا الى الجنة، فهم بسوء اختيارهم لا يرجعون عن كفرهم، والله تعالى قد حكم بكفرهم وضلالهم واستحقاقهم للعقاب، فلا أحد يقدر على خلاف ذلك.

و (من) في الوجهين في موضع رفع، فمن ضم الياء رفعها لأنها لم يسّم فاعلها، ومن فتح الياء، فلانها الفاعل. والمراد بالآية التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لمن لا يفلح بالاجابة، لانهماكه في الكفر، وان ذلك ليس تقصيراً من جهتك بل انه ليس الى فلاح مثل هذا سبيل.

وقوله { وما لهم من ناصرين } معناه ليس لهم ناصر ينصرهم ويخلصهم من العقاب، وذلك يبين انه ليس المراد بالآية الضلال عن الدين، وانما المراد ما قلناه من عدولهم عن الثواب الى العقاب.

والحرص طلب الشيء بجد واجتهاد، تقول: حرص يحرص حرصاً، وحرص يحرص بكسر الراء في الماضي، وفتحها في المستقبل، والاول لغة أهل الحجاز.