الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ }

قرأ حمزة { الذين يتوفاهم } بالياء. الباقون بالتاء، من قرأ بالتاء فلتأنيث لفظة الملائكة، ومن قرأ بالياء، فلأن التأنيث غير حقيقي وقد مضى نظيره كثيراً.

يقول الله تعالى ان الخزي اليوم والسوء على الكافرين، الذين يتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم و { الذين } في موضع الجر بأنه بدل من الكافرين وانما قال ذلك ليعلم به ان الوعيد يتناول من كان مات على كفره، لانه ان تاب لم يتوجه الوعيد اليه، ومعنى { تتوفاهم الملائكة } أي تقبض ارواحهم بالموت ظالمي انفسهم بما فعلوه من ارتكاب المعاصي التي استحقوا بها العقاب. والظالم من فعل الظلم، ويصح ان يظلم الانسان نفسه كما يظلم غيره.

وقوله { فألقوا السلم } اي استسلموا للحق حين لا ينفعهم السلم، يعني الانقياد والاذعان.

وقوله { ما كنا نعمل من سوء } اي قالوا ما عملنا من سوء، فكذبهم الله، وقال { بلى } قد فعلتم والله عالم بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي وغيرها. وقيل في معنى ذلك قولان:

احدهما - ما كنا نعمل من سوء عند انفسنا، لانهم في الآخرة ملجؤن الى ترك القبيح والكذب، ذكره الجبائي. وقال الحسن وابن الاخشاذ: في الآخرة مواطن يلجؤن في بعضها دون بعض، ثم بين انه تعالى يقول لهم { ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها } اي مؤبدين فيها { فلبئس مثوى المتكبرين } قسم من الله تعالى انها بئس المأوى لمن تكبر على الله، ولم يعمل بطاعته، { وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم } اي اي شيء { أنزل ربكم قالوا خيراً } على معنى ماذا، والمعنى انزل الله خيراً، وانما نصب { خيراً } ها هنا بعد قوله { قالوا } ورفع { أساطير } فيما تقدم لأمرين.

احدهما - انهم جحدوا التنزيل، فقالوا إِنما هي اساطير الأولين وأقر المؤمنون بالتنزيل، فقالوا أنزل ربنا خيراً.

والثاني - قال سيبويه ان يكون الرفع على تقدير ما الذي انزل ربكم فيكون ذا بمعنى الذي، وفي النصب يكون (ذا، وما) بمنزلة اسم واحد.

وقوله { للذين أحسنوا الحسنى } يحتمل ان يكون من كلام من قال خيراً، ويحتمل ان يكون اخباراً من الله تعالى، وهو الاقوى، لانه ابلغ في باب الدعاء الى الاحسان، فأجاز الحسن والزجاج كلا الوجهين، والمعنى ان للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة مكافأة لهم في الدنيا قبل الآخرة خيراً { ولنعم دار المتقين } يعني الجنة التي يدخلها الذين اتقوا معاصي الله وفعلوا طاعاته.