الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبْتُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

اخبر الله تعالى عن ابراهيم (ع) انه { كان أمّة } واختلفوا في معناه، فقال ابن مسعود: معناه إِنه معلم الخير قدوة { قانتاً لله } مطيعاً. قال بعضهم: كان ذا أمّة { قانتاً لله }. وقال قتادة: معناه إِنه امام هدى. والقانت الذي يدوم على العبادة لله، وقيل: جعل { أمة } لقيام الامة به. والحنيف المستقيم على طريق الحق. وقوله { ولم يك } يعني ابراهيم { من المشركين } الذين يعبدون مع الله غيره، بل كان موحداً { شاكراً لأنعمه } اي بل كان شاكراً لنعمه معترفاً بها { اجتباه } يعني اختاره الله واصطفاه { وهداه إلى صراط مستقيم } اي حكم بأنه على صراط مستقيم اي لطف له حتى اهتدى الى طريق الحق.

وقوله { وآتيناه في الدنيا حسنة } اي اعطيناه جزاء على هدايته في هذه الدنيا حسنة، وهي: تنويه الله بذكره في الدنيا بطاعته لربه، ومسارعته الى مرضاته، وإِخلاصه لعبادته، حتى صار إِماماً يقتدى به، وعلماً يهتدى بسنته. قال قتادة: حتى ليس من اهل دين إِلا وهو يتولاه ويرضاه. وقال الحسن: معنى { حسنة } يعني نبوته. وقوله { وإِنه في الآخرة لمن الصالحين } اخبار منه تعالى انه مع إيتائه الحسنة في الدنيا هو في الآخرة من جملة الصالحين. وانما لم يقل: لفي اعلى منازل الصالحين، مع اقتضاء حاله ذلك، لمدح من هو منهم، والترغيب في الصلاح ليكون صاحبه في جنب ابراهيم، وناهيك هذا الترغيب في الصلاح، وهذا المدح لابراهيم أن يشرف جملة هو منها، حتى يصير الاستدعاء اليها بأنه فيها.

وقوله { أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً } أي أمرناك ان اتّبع ملة ابراهيم حنيفا مستقيم الطريق، في الدعاء الى توحيد الله، وخلع الانداد، والعمل بسنته، { وما كان } يعني ابراهيم { من المشركين } بعبادة الله غيره.

وقوله { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } اختلفوا في معناه، قال الحسن: معناه انه جعله عليهم بأن لعنهم بالمسخ لاعتدائهم فيه. واختلافهم فيه كان بأن قال بعضهم: هو اعظم الايام حرمة، لانه تعالى فرغ فيه من خلق الاشياء كلها. وقال آخرون: بل الاحد أفضل، لانه ابتدا أخلق الاشياء فيه. وقال مجاهد، وابن زيد: عدلوا عمّا أمروا به من تعظيم الجمعة.

ووجه اتصال هذه الاية بما تقدم أنه لما أمر باتباع الحق، حذّر من الاختلاف فيه، بما ذكره من حال المختلفين في السبت، بما ليس لهم ان يختلفوا فيه، فشدد عليهم فرضه، وضيق عليهم أَمره وقال قوم: معنى { اختلفوا فيه } اي خالفوا فيه، لأنهم نهوا عن الصيد فيه فنصبوا الشباك يوم الجمعة، ودخل فيها السمك يوم السبت، فأخذوه يوم الاحد. ثم قال { وإن ربك } يا محمد { ليحكم بينهم } أي يفصل بينهم يوم القيامة في الذي كانوا مختلفين فيه، ويبين لهم الصحيح من الفاسد.