الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر (رحمه الله) اكرهه المشركون بمكة بأنواع العذاب، وقيل: إِنهم غطوه في بئر ماء على ان يلفظ بالكفر, وكان قلبه مطمئنا بالايمان، فجاز من ذلك، وجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم جزعاً فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان قلبك؟ قال كان مطمئناً بالإِيمان، فأنزل الله فيه الآية. واخبر ان الذين يكفرون بالله بعد ان كانوا مصدقين به بأن يرتدوا عن الاسلام { فعليهم غضب من الله } ثم استثنى من ذلك من كفر بلسانه، وكان مطمئن القلب بالايمان في باطنه، فانه بخلافه. و { من كفر } رفع بما دل عليه خبر الثاني الذي هو قوله { ولكن من شرح بالكفر صدراً } كأنه قيل فعليه غضب من الله، كما تقول من يأتنا فمن يحسن نكرمه، فجواب الاول محذوف كفى فيه الثاني، وقال الزجاج { من كفر } رفع بأنه بدل من قوله { وأولئك هم الكافرون } وقال ابو علي: هذه معاريض يحسن من الله مثلها، ولا يحسن من الخلق إِلا عند التقية، قال: إِلا ان على أهل العقول أن يعلموا ان الله لم يفعل ذلك الاّ على ما يصح ويجوز، وليس ذلك للانسان الا في حال التقية، لانه لا دليل يؤمّن من الخطأ عليه، فعلى هذا يلزمه في النبي ان يحسن منه من غير تقية، لكونه معصوماً لا يكذب في اخباره ولا خلاف بين أهل العدل أنه لا يجوز اظهار كلمة الكفر إِلا مع التعريض بأن ينوي بقلبه ما يخرجه عن كونه كاذباً، فأمّا على وجه الاخبار، فلا يجوز أصلا لانه قادر على التعريض الذي يخرج به عن كونه كاذباً.