الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

أقسم الله تعالى بقوله { فوربّك } يا محمد، وفي ذلك تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتنبيه على عظم منزلته عند الله { لنسألنهم } يعني هؤلاء الكفار { أجمعين } وانما يسألهم سؤال توبيخ وتقريع، فيقول لهم لم عضيتم القرآن، وما حجتكم فيه وما دليلكم عليه، فيظهر عند ذلك خزيهم وفضيحتهم عند تعذر جواب بصح منهم.

وقوله { فاصدع بما تؤمر } أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يفرّق بما أمر به، والمعنى افرق بين الحق والباطل بما تؤمر به، قال أبو ذؤيب:
وكأنَّهنّ ربابة وكأنّه   يسر يفيض على القداح ويصدع
وقال مجاهد: معناه فاجهر بما تؤمر، وانما قال بما تؤمر، ولم يقل بما تؤمر به، لأمرين: احدهما - انه حذف (به) كما يقال آمرك وآمر بك، وأكفرك وأكفر بك قال الشاعر:
إِذا قالت حذام فصدقوها   فإِن القول ما قالت حذام
وكما قال الآخر:
أمرتك حازماً فعصيتني   وأصبحتَ مسلوب الإمارة نادما
وقوله { أعرض عن المشركين } أمر بأن يعرض عن المشركين، ولا يخاصمهم الى ان يأمره بقتالهم.

وقوله { إنا كفيناك المستهزئين } المعنى كفيناك شرهم واستهزاءهم بأن أهلكناهم وكانوا خمسة نفر من قريش: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وابو زمعة والأسود بن عبد يغوث، والحرث بن عيطلة - في قول سعيد بن جبير - وقيل الأسود بن المطلب، أهلكهم الله.

وقوله { الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر } الذين في موضع جر، لأنه بدل من المستهزئين، وصفهم بأنهم اتخذوا مع الله إلهاً آخر عبدوه، ثم قال { فسوف يعلمون } وبال ذلك يوم القيامة، وهذا غاية التهديد، ثم قال { ولقد نعلم أنك } يا محمد { يضيق صدرك } ويشق عليك ما يقولون من التكذيب والاستهزاء. ثم أمره ان يحمد ربه على نعمه وان يكون من الساجدين الذين يسجدون لله، ويوجهون عبادتهم اليه، وان يعبد ربه الى الوقت الذي يأتيه اليقين، ومعناه حتى يأتيه الموت - في قول الحسن ومجاهد وقتادة - وسمي يقيناً، لأنه موقن به توسعاً وتجوزاً، لأنه مما يوقن به جميع العقلاء. ويحتمل أن يكون أراد. حتى يأتيه العلم الضروري بالموت والخروج من الدنيا الذي يزول معه التكليف.