هذا خطاب من الله تعالى لابليس لما احتج لامتناعه من السجود لادم بما ليس بحجة، بل هو حجة عليه، فاخرج منها. قال الجبائي: أمره بالخروج من الجنة. وقال غيره أمره بالخروج من السماء. { فإنك رجيم } أي مرجوم بالذم والشتم (فعيل) بمعنى مفعول. وقد يكون (فعيل) بمعنى فاعل مثل رحيم بمعنى راحم. { وإن عليك اللعنة } اي عليك مع ذلك اللعنة، وهي الابعاد من رحمة الله، ولذلك لا يجوز ان تلعن بهيمة، فأما لعن إِبليس الى يوم الدين، فإِن الله قد لعنه، والمؤمنون لعنوه لعنة لازمة الى يوم الدين، وهو يوم القيامة. ثم يحصل بعد ذلك على الجزاء بعذاب النار. وقيل الدين - ها هنا - الجزاء، ومثله { مالك يوم الدين } اي يوم الجزاء. ويقال لفلان دين اي طاعة يستحق بها الجزاء، وفلان يدين للملوك أي يدخل في عادتهم في الجزاء، فقال حينئذ ابليس: يا رب { فأنظرني إلى يوم يبعثون } اي أخر في وقتي الى يوم يحشرون، يعني القيامة، يحشرهم الله للجزاء. والانظار والامهال واحد، فقال الله تعالى له: اني انظرتك وأخرتك وجعلتك من جملة { المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } فقال قوم: هو يوم القيامة، أنظره الله في رفع العذاب عنه الى يوم القيامة، وفي التبقية الى آخر أحوال التكليف { ويوم يبعثون } يوم القيامة. وقد قيل: إِن يوم الوقت المعلوم هو آخر أيام التكليف، وأنه سأل الانظار الى يوم القيامة، لأن لا يموت، اذ يوم القيامة لا يموت فيه احد، فلم يجبه الله الى ذلك. وقيل له { إلى يوم الوقت المعلوم } الذي هو آخر ايام التكليف. وقال البلخي: اراد بذلك الى يوم الوقت المعلوم، الذي قدر الله أجله فيه، وهو معلوم، لأنه لا يجوز ان يقول تعالى لمكلف اني ابقيك الى يوم معين لان في ذلك اغراء له بالقبيح. واختلفوا في تجويز، إِجابة دعاء الكافر، فقال الجبائي: لا يجوز، لان اجابة الدعاء ثواب، لما فيه من اجلال الداعي باجابته الى ما سأل. وقال ابن الاخشاد: يجوز ذلك، لأن الاجابة كالنعمة في احتمالها ان تكون ثواباً وغير ثواب، لانه قد يحسن منا ان نجيب الكافر الى ما سأل استصلاحاً له ولغيره، فأما قولهم: فلان مجاب الدعوة، فهذه صفة مبالغة لا تصح لمن كانت إِجابته نادرة من الكفار.