الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } * { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ } * { وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } * { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم على وجه التهديد للكفار: اترك هؤلاء يأكلوا ما يشتهون، ويستمتعوا في هذه الدنيا بما يريدون ويشغلهم الأمل { فسوف يعلمون } وبال ذلك فيما بعد يعني يوم القيامة ووقت الجزاء على الاعمال.

ثم اخبر تعالى انه لم يهلك أهل قرية فيما مضى على وجه العقوبة الا وكان لها كتاب معلوم يعنى أجل مكتوب قد علمه الله تعالى لا بدّ ان يبلغونه لما سبق في علمه، ويجوز إِلا ولها بالواو وبغير الواو، لانه جاء بعد التمام، ولو جاء بعد النقصان لم يجز، نحو رجلاً هو قائم، ولا يجوز وهو قائم، وكذلك في الظرف في خبر كان؛ وقال لم تكن أمة فيما مضى تسبق اجلها فتهلك قبل ذلك ولا تتأخر عن اجلها الذي قدر لها بل اذا استوفت أجلها اهلكها الله.

ثم قال له: ان هؤلاء الكفار يقولون لك { يا أيها الذي نزل عليه الذكر } يعنون القرآن نزل عليك على قولك، لانهم لم يكونوا من المعترفين بذلك { إنك لمجنون } في ادعائك أنه أنزل عليك الذكر بوحي الله اليك، ولم تكن ممن يقرأ.

وقوله { لوما تأتينا بالملائكة } معناه هلا تأتينا، وهو دعاء الى الفعل وتحضيض عليه، ومثله قوله { لولا أنزل عليه ملك } قال الشاعر:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم   بني ضو طرى لولا الكمي المقنعا
وقد جاء (لوما) في معنى (لولا) التي لها جواب قال ابن مقيل:
لوما الحياء ولوما الدين عبتكما   ببعض ما فيكما اذ عبتما عوري
اي لولا الحياء. والمعنى في الآية هلا تأتينا بالملائكة إِن كنت صادقاً في انك نبي، وقال ابو عبيد عن ابن جريج: فيه تقديم وتأخير يعنى قوله { ولو فتحنا } هو جواب { لوما تأتينا } والمعنى: فلو فعلنا ذلك بهم ايضاً لما آمنوا، وما بينهما كلام مقدم والمراد به التأخير، قال المبرد: هذا الذي ذكره جائز لكن فيه بعد لانه يلبس بأن يكون فتح عليهم من انفسهم فعرج بهم. والله اعلم. وكلا الأمرين غير ممتنع الا ان العرب تمنع مما فيه لبس.

وقوله { ما ننزل الملائكة إلا بالحق } قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالنون ونصب الملائكة. الباقون بالتاء ورفع الملائكة إِلا أبا بكر عن عاصم فانه ضم التاء على ما لم يسم فاعله. فحجة من قرأ بالنون قولهولو أننا نزلنا إِليهم الملائكة } وحجة من قرأ { تنزل الملائكة } بفتح التاء قولهتنزل الملائكة والروح فيها } وحجة من قرأ على ما لم يسم فاعله قوله { ما تنزل الملائكة إلا بالحق } وقوله تعالىونزل الملائكة تنزيلاً } ومعنى قوله { ما ننزل الملائكة إلا بالحق } يعنى بالحق الذي لا يلبس معه الباطل طرفه عين.

السابقالتالي
2