الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ } * { رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ }

قرأ أهل المدينة وعاصم { ربما } بالتخفيف. الباقون بالتشديد. وروي عن أبي عمرو: الوجهان. قال أبو علي أنشد أبو زيد:
ماويّ يا ربتما غارة   شعواء كاللذعة بالميسم
قال الازهري: الماوي الرحمة، وأنشد ايضاً ابو زيد:
يا صاحبا ربه إِنسان حسن   يسأل عنك اليوم او تسأل عن
وقال قطرب, والسكري: ربّما، وربَما، وربتما, وربُّ، ربَّ: ست لغات، قال سيبويه (رب) حرف وتلحقها (ما) على وجهين:

احدهما - ان تكون نكرة بمعنى شيء كقوله:
ربما تجزع النفوس من الأمـ   ـر له فرجة كحلّ العقال
فـ (ما) في هذا البيت إِسم؛ لما يقدر من عود الذكر اليه من الصفة. والمعنى: رب شيء تكرهه النفوس، واذا عاد اليه الهاء كان إِسماً، ولم يجز أن يكون حرفاً. والضرب الآخر ان تدخل (ما) كافة نحو الآية، ونحو قول الشاعر:
ربما أوفيت في علم   يرفعن ثوبي شمالات
والنحويون يسمون (ما) هذه كافة يريدون: أنها بدخولها كفت الحرف عن العمل الذي كان هيأها لدخولها على ما لم تكن تدخل عليه، ألا ترى ان (رب) انما تدخل على الاسم المفرد؛ نحو رب رجل يقول ذلك, وربه رجل يقول، ولا تدخل على الفعل، فلما دخلت (ما) عليها هيأتها للدخول على الفعل، كما قال { ربما يود الذين كفروا } فوقع الفعل بعدها - في الآية - وهو على لفظ المضارع، ووقع في قوله (ربما أوفيت في علم) على لفظ الماضي، وهكذا ينبغي في القياس لأنها تدل على أمر قد وقع ومضى، وإِنما وقع - في الآية - على لفظ المضارع، لأنه حكاية لحال آتية كما ان قولهوإِن ربك ليحكم بينهم } حكاية لحال آتية ايضاً، ومن حكاية الحال قول القائل:
جارية في رمضان الماضي   تقطع الحديث بالايماض
ومن زعم ان الآية على اضمار (كان) وتقديره ربما كان يود، فقد خرج عن قول سيبويه، لأنهم لا يضمرون على مذهبه (كان) في قول القائل: عبد الله المقتول اي كن عبد الله المقتول. واما اضمار (كان) بعد إِن خيراً فخيراً، فإِنما جاز ذلك, لإِقتضاء الحرف له، فصار اقتضاء الحرف له كذكره، فاما ما أنشده ابن حبيب، فيهان ابن مسكين:
لقد رزيت كعب بن عوف وربما   فتى لم يكن يرضى بشيء يضيمها
فان قوله (فتى) يحتمل ضروباً:

احدها - ان يكون لما جرى ذكر (رزيت) استغنى بجري ذكره عن اعادته، فكانه قال: ربما رزيت فتى، فأنتصب فتى برزيت المضمرة، كقولهآلآن وقد عصيت } فاستغنى بذكر آمنت المعلوم عن اظهاره بعد، ويجوز ان يكون انتصب بـ (رزيت) هذه المذكورة، كأنه قال: لقد رزيت كعب بن عوف فتى وربما لم يكن يرضى اي رزيت فتى لم يكن يضام، ويكون هذا الفصل وهو اجنبي بمنزله قوله:

السابقالتالي
2 3