الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }

قرأ ابن كثير وحده { سكرت } بالتخفيف. الباقون بالتشديد. قال أبو عبيدة: { سكرت } معناه غشيت. والمعنى في الآية سكرت الابصار، فلا ينفذ نورها، ولا تدرك الاشياء على حقيقتها، وكأن المعنى انقطاع الشيء عن سننه الجاري، فمن ذلك (سكره سكراً) إِنما هو ردّه عن سننه، وقال: السكير في الرأي قبل ان يعزم على شيء، فاذا عزم على امر ذهب السكير وهو ان ينقطع عما عليه من المضاء في حال الصحو، فلا ينفذ رأيه على حدّ نفاذه في صحوه، ووجه التثقيل ان الفعل مسند الى جماعة مثل قولهمفتحة لهم الأبواب } ووجه التخفيف ان هذا النحو من الفعل المسند الى الجماعة قد يخفف، قال الشاعر:
ما زلت اغلق ابواباً وأفتحها   
اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان هؤلاء الكفار لشدة عنادهم وغلظة كفرهم وتمردهم وعتوهم { لو فتحنا عليهم باباً من السماء } فصاروا { فيه يعرجون } والعروج الصعود في الهواء تعلقاً به نحو السماء، عرج الملك يعرج عروجاً، فلو عرج هؤلاء عروج الملك، لقالوا هذا القول. والتسكير إِدخال اللطيف في المسام، ومنه السكر بالشراب، والسكر السد بالتراب { لقالوا إنما سكرت أبصارنا } بما ادخل فيها من اللطيف في مسامها، حتى منعنا من رؤية الاشياء على حقيقتها. وأصل السكر السد بما ادخل في المسام. وقال مجاهد والضحاك وابن كثير: معنى { سكرت } سدت قال المثنى بن جندل الطهوري:
جاء الشتاء واجثألَّ القنبر   واستخفت الافعى وكانت تظهر
وطلعت شمس عليها مغفر   وجعلت عين الحرور تسكر
اي تسد بشدة البرد، وقنبر وقنبر - بضم الباء وفتحها - لغتان، مثل جندب وجندب قال رؤبة:
قبل انصداع الفجر والتهجر   وخوضهن الليل حتى تسكر
اي يسد بظلمته، وحكى الفراء: ان من العرب من يقول: سكرت الريح إِذا سكنت.

وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: المعنى { لو فتحنا عليهم باباً من السماء } فظلَّت الملائكة تعرج الى السماء، وهم يرونها على ما اقترحوه، { لقالوا: إِنما سكرت أبصارنا } وقال الحسن: يظل هؤلاء المشركون يعرجون فيه. { بل نحن قوم مسحورون } أي يقولون: سحرنا، فنحن مسحورون, والسّحر حيلة خفيَّة، توهم معنى المعجزة من غير حقيقة، ولهذا من عمل بالسّحر كان كافراً، لأنه يدّعي المعجزة للكذّابين، فلا يعرف نبوّة الصادقين.

وقال أبو عبيْدة: سكّرت أبصار القوم إِذا ادير بهم، وغشيهم كالساتر فلم يبصروا.

وروي ابن خالوية عن الزّهري أنه قرأ { سَكِرت } بفتح السين وكسر الكاف، والتخفيف أي اختلطت وتغيّرت عقولهم.