الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } * { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } * { تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

ثلاث آيات في الكوفي والبصري تمام الثانية { في السماء } وآيتان في الباقي.

اخبر الله تعالى في هذه الآية ان الذين يؤمنون به، ويصدقون بوحدانيته، ويعترفون بنبوّة انبيائه ويعملون بما دعاهم اليه من الطاعات والاعمال الصالحات يدخلهم الله يوم القيامة جنات من صفتها انها تجري من تحتها الانهار، لان الجنة البستان الذي يجنه الشجر، فالانهار تجري من تحت الاشجار، وقيل انهار الجنة في اخاديد في الارض { خالدين فيها } اي مؤبدين فيها دائمين, ونصبه على الحال من حيث انها تدوم لهم { بإِذن ربهم } اي بأمر ربهم واطلاقه، يخلدون فيها, ويكون تحية بعضهم لبعض في الجنة { سلام }. والتحية التلقي بالكرامة في المخاطبة، كقولك احياك الله حياة طيبة، سلام عليك، وما أشبه ذلك تبشيراً لهم بدوام السلامة.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء } انما ضرب المثل بالكلمة الطيبة للدعاء اليها في كل باب يحتاج الى العمل عليه، وفي كل باب من ابواب العلم. ومعنى { فرعها في السماء } مبالغة له في الرفعة، فالأصل سافل، والفرع عال، إِلا أنه من الأصل يوصل الى الفرع. والاصل في باب العلم مشبه بأصل الشجرة التي تؤدي الى الثمرة التي هي فرع ذلك الاصل، ويشبه بأصل الدرجة التي يترقى منها الى اعلى مرتبة.

وروي انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الشجرة الطيبة هي النخلة. وقال ابن عباس: هي شجرة في الجنة.

وقوله { تؤتي أكلها } اي تخرج هذه الشجرة الطيبة - وهي النخلة - ما يؤكل منها في كل حين. وقال ابن عباس - في رواية - يعني ستة اشهر الى صرام النخل، وهو المروي عن ابي جعفر وابى عبد الله (ع)، وبه قال سعيد بن جبير، والحسن. وقال مجاهد وابن زيد: كل سنة. وقال سعيد بن المسيب: الحين شهران. وفي رواية اخرى عن ابن عباس: غدوة وعشية، وقال قوم: من اكل النخلة: الطلع والرطب والبسر والتمر، فهو دائم لا ينقطع على هذه الصفة، وأهل اللغة يذهبون الى ان الحين هو الوقت، قال النابغة:
يبادرها الراقون من سوء سمها   تطلقه حيناً وحيناً تراجع
كذا رواه الاصمعي و { مثلاً } منصوب بـ { ضرب } والتقدير ضرب الله كلمة طيبة مثلاً { بإِذن ربها } اي يخرج هذا الأكل في كل حين بأمر الله وخلقه اياه { ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } اخبار منه تعالى انه يضرب المثل للكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة في البادية والعاقبة، لكي يتذكروا ويتفكروا فيه ويعتبروا به، فيؤديهم ذلك الى دخول الجنة وحصول الثواب.

وفائدة الآية ان الله ضرب للايمان مثلاً وللكفر مثلاً، فجعل مثل المؤمن الشجرة الطيبة التي لا ينقطع نفعها وثمرها، وهي النخلة ينتفع بها في كل وقت، لا ينقطع نفعها البتة، لأنه ينتفع بطلعها، وبسرها، ورطبها، وتمرها، وسعفها، وليفها، وخوصها، وجذعها. ومثل الكافر بالشجرة الخبيثة وهي الحنظلة. وقيل الاكشوث لا إِنتفاع به، ولا قرار له ولا أصل، فكذلك الكفر لا نفع فيه ولا ثبات.