الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ }

وجه اتصال هذه الآية بما تقدم هو أنه لما قال { لكل أجل كتاب } اقتضى ان يدخل فيه اعمال العباد، فبين ان الله يمحو ما يشاء، ويثبت، لئلا يتوهم ان المعصية مثبتة بعد التوبة، كما هي قبل التوبة. وقيل: ان مما يمحا ويثبت الناسخ والمنسوخ. وقيل يمحو ما يشاء، ويثبت، مما يثبته الملكان، لأنه لا يثبت الا الطاعات والمعاصي دون المباحات. وقيل معناه يمحو ما يشاء من معاصي من يريد التفضل عليه باسقاط عقابه، ويثبت معاصي من يريد عقابه. والحسنة يثبتها الله قبل فعلها، بمعنى أنهم سيعملونها، فاذا عملوها أثبتها بأنهم عملوها، فلذلك أثبت في الحالين، والوجه في اثباته ما يكون فيه من المصلحة والاعتبار لمن يفكر فيه بأن ما يحدث، على كثرته وعظمه، قد أحصاه الله وكتبه، وذلك لا سبيل اليه الا من جهة علام الغيوب الذى يعلم ما يكون قبل أن يكون، واعتبار المشاهدة له من الملائكة إِذا قابل ما يكون بما هو مكتوب، مع أنه أهول في الصدور، وأعظم في النفوس مما يتصور معه، حتى كان المفكر فيه مشاهد له. و (المحو) إِذهاب أثر الكتابة محاه يمحوه محواً وإِمحاء أيضاً، وأمَّحا إمّحاء وامتحا امتحاء. والاثبات الاخبار بوجود الشيء، ونقيضه النفي، وهو الاخبار بعدم الشيء.

وقال ابن عباس ومجاهد: إنه تعالى لا يمحو الشقاء والسعادة، وهذا مطابق لقول اصحاب الوعيد.

وقال عمر بن الخطاب، وابن مسعود: هما يمحيان مثل سائر الأشياء، وهذا مطابق لقول المرجئة من وجه.

وقوله { وعنده أم الكتاب } معناه أصل الكتاب، لانه يكتب أولاً: سيكون كذا وكذا، لكل ما يكون، فاذا وقع كتب أنه قد كان ما قيل أنه سيكون. وقيل: أصل الكتاب، لان الكتب التي أنزلت على الانباء منه نسخت

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم و { يثبت } خفيفة. الباقون مشدَّدة.

قال أبو علي: المعنى يمحو الله ما يشاء ويثبته، فاستغني بتعدية الاول من الفعلين عن تعدية الثاني، كما قالوالحافظين فروجهم والحافظات } وزعم سيبويه أن من العرب من يعمل الاول من الفعلين، ولا يعمل الثاني في شيء، كقولهم متى رأيت أو قلت زيداً منطلقاً، قال الشاعر:
بأي كتاب ام بأية سنة   ترى حبهم عاراً عليّ وتحسب
فلم يعمل الثاني. وقالوا { أم الكتاب } هو الذكر المذكور في قولهولقد كتبنا في الزبور من بعد الذِّكر } قال فحجة من شدّد قولهوأشدّ تثبيتاً } وقرأ { ويثبّت } لان تثبيت مطاوع ثبت وحجة من قال بالتخفيف ما روي عن عائشة: أنه كان إِذا صلى صلاة أثبتها، قال: وثابت مطاوع ثبت، كما أن يثبت مطاوع ثبت.