الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ }

قرأ اهل الكوفة إلا ابا بكر { ومما يوقدون } بالياء. الباقون بالتاء. قال أبو علي: من قرأ بالتاء فلما قبله من الخطاب، وهو قوله { قل أفاتخذتم } ويجوز ان يكون خطاباً عاماً، يراد به الكافة، فكان المعنى { مما توقدون } عليه ايها الموقدون زبد مثل زبد الماء الذي عليه السيل { فأما الزبد فيذهب جفاء } لا ينتفع به كما ينتفع بما يخلص بعد الزبد من الماء والذهب والفضة والصفر. ومن قرأ بالياء، فلان الغيبة قد تقدم في قوله { أم جعلوا لله شركاء } ويجوز ان يراد به جميع الناس ويقوي ذلك قوله { وأما ما ينفع الناس } فكما ان الناس يعم المؤمن والكافر كذلك الضمير في { يوقدون } وقال { ومما يوقدون عليه في النار } كقولهفأوقد لي يا هامان على الطين } فهذا إيقاد على ما ليس في النار، وان كان يلحقه وهجها ولهبها. وأما قولهبورك من في النار } فالمعنى على من في قرب النار، وليس يراد به متوغلهاومن حولها } ومن لم يقرب منها قرب الآخرين ألا ترى ان قولهوممن حولكم من الأعراب منافقون } لم يقرب المنافقون الذين حولهم فيه قرب المخالطين لهم حيث يحضرونه ويشهدونه في مشاهدهم.

قال الحسن يقول الذي { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } الى قوله { ابتغاء حلية } الذهب والفضة والمتاع والصفر والحديد { كذلك يضرب الله الحق والباطل } كما أوقد على الذهب والفضة والصفر والحديد، فيخلص خالصه، { كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } قال فكذلك الحق بقي لأهله فانتفعوا به.

وقرأ الحسن { بقدرها } بتخفيف الدال وهما لغتان يقال أعطى قدر شبر وفي المصدر بالتخفيف لا غير تقول: قدرت اقدر قدراً، وفي المثل التخفيف، والتثقيل تقول: هم يختصمون في القدر بالسكون والحركة قال الشاعر:
الا يا لقوم للنوائب والقدر   وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري
أخبر الله تعالى انه هو الذي ينزل من السماء ماء يعني الامطار والغيوث، فتسيل هذه المياه أودية بقدرها من القلة والكثرة. والسيل جري الماء من الوادي على وجه الكثرة. يقال جاء السيل يغرق الدنيا، وسال بهم السيل إذا جحفهم بكثرته. والوادي سفح الجبل العظيم المنخفض الذي يجتمع فيه ماء المطر، ومنه اشتقاق الدية، لانه جمع المال العظيم الذي يؤدى عن القتيل، والقدر إقران الشيء بغيره من غير زيادة ولانقصان. والوزن يزيد وينقص، فاذا كان مساوياً، فهو القدر.

وقوله { فاحتمل السيل زبداً رابياً } فالاحتمال رفع الشيء على الظهر بقوة الحامل له، ويقال علا صوته على فلان فاحتمله، ولم يغضبه، فقوله هذا يحتمل وجهين: معناه له قوة يحمل بها الوجهين، والزبد وضر الغليان، وهو خبث الغليان ومنه زبد القدر، وزبد السيل، وزبد البعير.

السابقالتالي
2