الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ }

أخبر الله تعالى بأن له (عز وجل) دعوة الحق. وقيل في معناه ثلاثة أقوال:

احدها - قال ابن عباس وقتادة وابن زيد إنها شهادة ان لا إله على اخلاص التوحيد.

الثاني - قال الحسن: الله هو الحق، فمن دعاه دعا الحق. وقال قوم: كل دعوة هي حق جاز ان تضاف الى الله، قال ابو علي دعوة الحق هي الدعوة التي يدعى الله بها على اخلاص التوحيد، والدعوة طلب فعل الشيء، فالانسان يدعو ربه ان يدخله في رحمتة وهو أهل المغفرة والرحمة، وكل ما لابسه الانسان، فقد دخل فيه. والمعنى لله من خلقه الدعوة الحق. وقوله { والذين يدعون من دونه } قيل في معناه قولان:

احدهما - قال الحسن: والذين يدعون من الاوثان لحاجاتهم.

الثاني - الذين يدعون أرباباً. وقيل ان المعنى الذين يدعون غيره مقصرين عن دعائهم له، كما قال الشاعر:
اتوعدني وراء بني رياح   كذبت لتقصرن يداك دوني
اي عني. { لا يستجيبون لهم بشيء } فالاستجابة متابعة الداعي فيما دعا اليه بموافقة إرادته والاستجابة، والاجابة واحد إلا ان صيغة الاستجابة تفيد طلب الموافقة، قال الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب الى الندى   فلم يستجبه عند ذاك مجيب
وقوله { إلا كباسط كفيه إلى الماء } معناه قال مجاهد: كباسط كفه الى الماء مشيراً اليه من غير تناول الاناء ليبلغ فاه ببسط كفه ودعائه له. وقال الحسن معناه كباسط كفيه الى الماء، فمات قبل ان يصل اليه، والعرب تضربه مثلاً لمن سعى فيما لا يدركه كالقابض على الماء قال الشاعر:
فأني واياكم وشوقاً اليكم   كقابض ماء لم تسقه انامله
وقال الآخر:
فاصبحت مما كان بيني وبينها   من الود مثل القابض الماء باليد
{ وما هو ببالغه } إخبار منه تعالى ان من كان كذلك لا يبلغ الماء فاه. ثم أخبر تعالى فقال { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } أي ليس دعاؤهم الاوثان من دون الله إِلا الاضلال عن الحق وعدولاً عن طريقه وأنه جار مجرى ما ذكره من باسط كفيه الى الماء، وهو بعيد منه من غير أن يتناوله ويدعوه الى فمه، فان ذلك لا يصل اليه أبداً.