الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ }

معنى الآية ان الله تعالى الذي وصف نفسه بأنه الكبير المتعالي على غيره بسعة قدرته سواء عليه الاشياء في أنه يعلمها على اختلاف حالاتها، وانه يعلم الانسان على تصرف احواله مما يسر في نفسه اي يخفيه او يعلنه أو يستتر بالليل او يسرب بالنهار، كل ذلك سواء في ظهوره له، فيجب ان يحذر من هذه صفته، ويعلم انه يأتي بالآيات بحسب ما يعلمه من مصلحة خلقه. وقال الزجاج: المعنى ان الظاهر في الطرقات والمستخفي في الظلمات والجاهر بنطقه والمضمر في نفسه في معلوم الله { سواء } اي ليس ببعض ذلك اعلم من بعض. وقال الحسن: { سارب بالنهار } اي مستتر فيه. وقال قطرب: يجوز ان يكون معنى { مستخف بالليل } اي ظاهر بالليل { وسارب بالنهار } اي مستتر فيه. قال الزجاج: هذا جائز في اللغة، يقال منه انسرب الوحش اذا دخل في كناسه. وقال ابو رجاء: السارب الذاهب على وجهه، يقال انسرب فلان انسراباً. وقال ابن عباس وقتادة: السارب الظاهر من خفى كان فيه. ويقال: فلان سارب في مذهبه اي ظاهر يقال: خلا سربه اي طريقه، ويقال: فلان آمن في سربه بالفتح والخفض معاً قال قيس بن الخطيم:
أنّى سربتِ وكنت غير سروب   وتقرُّب الاحلام غير قريب
وقال قوم: السارب الذي يسلك في سربه اي في مذهبه، يقال منه: سرب يسرب سروباً. وقال بعضهم السارب الجاري في خروجه الى الأمر بسرعة, يقال انسرب الماء من خروز القربة، قال ذو الرمة:
ما بال عينك منها الماء منسكب   كأنها من كلى مفرية سرب
فالاستخفاء طلب الاختفاء، خفي يخفى نقيض ظهره يظهر ظهوراً. واختفى اختفاء وأخفاه إخفاء، وتخفى تخفياً. والاسرار إخفاء المعنى في النفس، فأسر القول معناه أخفى في نفسه، والجهر رفع الصوت بالقول، يقال: لصوته جهارة اي قوة في رفعه اياه، وهو يجاهر بأمره اي يظهره ويعلنه. والسواء هو الاعتدال في الوزن. و (من) في موضع الذي، وهما مرتفعان و { سواء } رفع بالابتداء، وهو يطلب اثنين. تقول: سواء زيد وعمرو، اي هما مستويان.