الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

أخبر الله تعالى عن اخوة يوسف حين آيسوا من تسليم أخيهم اليهم، فاليأس ضد الطمع، يقال: يئس يأساً واستيأس استيئاساً، فهو يائس، ومستيئس، وآيس يأس مثله.

وقوله { خلصوا نجيّاً } أي انفردوا من غير أن يكون معهم غيرهم ممن ليس منهم، وهذا من عجيب فصاحة القرآن الخارقة للعادة لأن بقوله { خلصوا } دل على ما قلناه من معنى الكلام الطويل.

واصل الخلوص حصول الشيء من غير شائب فيه من غيره، كخلوص الذهب من الشئاب، وسمي الخلاص لذلك، وقوله { نجيّاً } مصدر يدل بلفظه على القليل والكثير، والواحد والجمع. والنجوى مثله، ولذلك قال تعالى في الواحدوقربناه نجيّاً } وفي الجمع { خلصوا نجياً } قال الشاعر:
إني اذا ما القوم كانوا أَنجيه   واضطرب القوم اضطراب الارشيه
هناك أوصيني ولا توصي بيه   
والمناجاة رفع المعنى من كل واحد الى صاحبه على وجه خفي. واصل النجو الارتفاع من الارض والمناجاة المسارة ونجي جمعه أنجية، وهم يتناجون. و { قال كبيرهم } يعني اكبرهم، وقال قتادة وابن اسحاق: هو روبيل، فانه كان اكبرهم سناً. وقال مجاهد: هو شمعون، وكان اكبرهم عقلاً وعلماً دون السن. والأول أليق بالكلام والظاهر: { ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله } يعني أما علمتم أن أباكم قد حلفكم واقسمتم له بالله في حفظ أخيكم، وقبل هذا ما فرطتم في يوسف أي قصرتم في حفظه. واصل التفريط التقديم من قوله صلى الله عليه وسلم " انا فرطكم على الحوض " أي متقدمكم. والموثق والايثاق: العهد الوثيق و (ما) في قوله { ما فرطتم } يحتمل ثلاثة اوجه من الاعراب:

احدها - ان تكون منصوبة بـ { تعلموا } ، كأنه قال ألم تعلموا تفريطكم في يوسف.

الثاني - رفع بالابتداء والخبر { من قبل }.

الثالث - ان تكون صلة لا موضع لها من الاعراب، لأنها لم تقع موقع اسم معرب.

وقوله { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي } لست أقوم من موضعي الا أن { يأذن لي أبي أو يحكم الله } اي الى ان يحكم الله. وقيل معناه بمجازاة أو غيرهما مما أردّ به أخي ابن يامين على ابيه، وكانوا تناجوا بمحاربته فلم يتفقوا على ذلك خوفاً من غمّ أبيهم بأن يقتل بعضهم في الحرب وقوله { وهو خير الحاكمين } اخبار من هذا القائل بأنه تعالى خير الحاكمين والفاصلين، واعتراف منه برد الامر الى الله تعالى.