قرأ { نشاء } بالنون ابن كثير وحده. الباقون بالياء. من قرأ بالنون، فعلى معنى ان يوسف يتبوّء من الارض حيث يشاء، وطابق بينه وبين قوله { نصيب برحمتنا من نشاء } ، ويكون على احد معنيين: احدهما - ان تكون المشيئة اسندت اليه، وهي ليوسف، لما كانت بأمره وارادته كما قال{ وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى } فأضاف الرمي الى الله، لما كان بقدرته وارادته. والثاني - ان يكون الموضع المتبوء موضع نسك وعبادة او موضعاً يقام فيه الحق، من أمر بمعروف، او نهى عن منكر، ويقوي النون قوله { نصيب برحمتنا من نشاء }. ومن قرأ بالياء حمله، على انه يتبوء يوسف حيث يشاء هو نفسه. اخبر الله تعالى أنه كما لطف ليوسف حين اخرجه من السجن وخلصه من المهالك كذلك مكنه من التصرف، والمقام في الارض حيث يشاء كيف يشاء، وقال الجبائي: كان هذا التمكن ليوسف ثواباً من الله على طاعته واحسانه الذي تقدم منه في الدنيا. وقال غيره: ليس في ذلك دلالة على انه ثواب، ويجوز أن يكون تفضلاً عليه بذلك من غير ان ينقص من ثوابه شيء، والتمكين الاقدار بما يتسهل به الفعل من رفع الموانع وايجاد الالات والالطاف وغير ذلك مما يحتاج اليه في الفعل. والتبوء هو اتخاذ منزل يرجع اليه واصله الرجوع من { باؤا بغضب من الله } قال الشاعر:
فان تكن القتلى بواء فانكم
فتى ما قتلتم آل عوف بن عامر
اي يرجع بدم بعضها على بعض، فان هذا المقتول لا كفاء لدمه. وقوله { نصيب برحمتنا من نشاء } اخبار منه تعالى انه يفعل رحمته بمن يشاء من عباده على وجه التفضل عليهم والاحسان اليهم، وانه لا يضيع اجر الذين يحسنون افعالهم ويفعلون ما أمرهم الله به على وجهه، بل يثيبهم على ذلك. والاحسان على ثلاثة اوجه: احدها - ان يحسن الى غيره، فذلك انعام. وثانيها - ان يحسن الى نفسه بأن ينفعها نفعاً حسناً. وثالثها - ان يفعل حسناً مبهماً لا يضيفه الى نفسه ولا الى غيره. واللام في قوله { مكنا ليوسف } يحتمل ان يكون مثل قوله{ ردف لكم } و{ للرؤيا تعبرون } بدلالة قوله{ مكناهم فيما إن مكناكم فيه } وقوله{ مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } { ويتبوء } في موضع نصب على الحال.