الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }

قرأ البرجمي والسلموني { النسوة } بضم النون. والباقون بكسرها، وهما لغتان. والكسر افصح. وفي الكلام حذف، لأن تقديره إِن الناجي الذي استفتى يوسف عن تفسير رؤيا الملك حين فسره له، رجع الى الملك واخبره به، وعرّفه ان ذلك فسره له يوسف، فقال الملك عند ذلك: ائتوني به والكلام دال عليه، وذلك من عجائب القرآن، وعظم فصاحته. ومعنى { ائتوني به }. أجيئوني به { فلما جاءه الرسول } يعني رسول الملك، قال له يوسف ارجع الى سيدك. { فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } وانما رد الرسول ليبين للملك براءته مما قرف به، وانه حبس بظلم من غير بينة، ولا اعتراف بذنب، وقال قتادة: طلب العذر.

وقوله { إن ربي بكيدهن عليم } قيل في معناه قولان:

احدهما - وهو الصحيح - انه أخبر ان الله تعالى عالم بكيد النسوة.

والثاني - ان سيدي العزيز عليم بكيدهن. والاول عليه اكثر المفسرين. والملك هو القادر الواسع المقدور الذي اليه السياسة والتدبير، وكان هذا الملك ملك مصر. ويجوز ان يمكّن الله تعالى الظالم من الظلم، وينهاه عن فعله، ولا يجوز أن يملكه الظلم، لأن ما يملكه، فقد جعله له، وذلك لا يليق بعدله. والتمليك تمكين الحي مما له ان يتصرف فيه في حكم الله تعالى بحجة العقل والسمع، وعلى هذا اذا مكَّن الله تعالى من الظلم او الغصب لا يكون ملكه، لأنه لم يجعل له التصرف فيه. بل زجره عنه، قال الرماني: يجوز أن يسلب الله تعالى الخلق ما ملكهم في الدنيا بسوء افعالهم، كما يسلب بعضهم بكفرهم، والا فهو له، فان اخذ بالموت عنه على طريق العارية ثم يرد اليه ويعوض مما فاته بكرمه تعالى، وقيل: إن يوسف انما قال ما بال النسوة جميع النساء ولم يخص امرأة العزيز حسن عشرة منه، وقال قوم ذلك يدل على ان كل واحدة منهن دعته الى نفسها مثل امرأة العزيز.