الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ }

قرأ ابن عامر وابو جعفر { يا أبت } بفتح التاء في جميع القرآن. الباقون بكسر التاء، وابن كثير يقف بالهاء. الباقون يقفون بالتاء، وقرأ ابو جعفر أحد عشر وتسعة عشر بسكون العين فيها. الباقون بفتحها.

العامل في (إذ) أَحد أمرين: احدهما - اذكر { إذ قال يوسف }. والثاني - نقص عليك { إذ قال } , في قول الزجاج، ولا يكون على هذا الوجه ظرفاً للقصص في معنى نذكره، ويجوز في { يا أبت } ثلاثة أوجه من الاعراب:

احدهما - الكسر على حذف ياء الاضافة.

الثاني - { يا أبت } بفتح التاء على حذف الألف المنقلبة عن ياء الاضافة، كأنه أراد يا أَبتا، فحذف الالف كما تحذف الياء، فتبقى الفتحة دالة على الالف، كما ان الكسرة دالة على الياء، قال رؤبة:
يا أَبتا علّك أَو عساكا   
فلما كثرت هذه الكلمة في كلامهم ألزموه القلب، قال ابو علي الفارسي: ويحتمل ان يكون مثل يا طلحة اقبل، ووجهه ان الاسماء التي فيها تاء التأنيث أكثر ما ينادى مرخماً، فلما كان كذلك رد التاء المحذوفة في الترخيم وترك الامر يجري على ما كان يجري عليه في الترخيم من الفتح، فلم يعتد بالهاء، واقحامها كما قالوا: واجمعت اليمامة يريدون أَهل اليمامة، قالوا: أجمعت أَهل اليمامة، فلم يعتدوا برد اهل.

الثالث - يا أَبة بضم الهاء في قول الفراء ولم يجره الزجاج، قال: لأن التاء عوض من ياء الاضافة. قال الرماني هذا جائز لأن العوض لا يمنع من الحذف، والوقف يجوز على التاء، لان الاضافة مقدّرة بعدها، وان قدر على حذف الالف لم يجز الوقف، الا بالتاء وان قدر على الاقحام جاز الوقف كقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب   وليل اقاسيه بطيء الكواكب
وانما دخلت الهاء في { يا أَبت } للعوض من ياء الاضافة اذ يكثر في النداء، مع لزوم معنى الاضافة، فكان أَحق بالعلامة لهذه العلة. وقال أَبو علي: إنما وقف ابن كثير بالهاء، فقال يا أَبة، لأن التاء التي للتأنيث تبدل منها الهاء في الوقف، ولم يجز على تقدير الاضافة، لأنه اذا وقف عليها سكنت للوقف واذا سكنت كانت بمنزلة ما لا يراد به الاضافة فأبدل منها الهاء كما إِذا قال يا طلحة أَقبل بفتح التاء، واذا وقف عليها أَبدل الهاء ياء.

وإنما - أعاد ذكر { رأيتهم } لامرين: احدهما - للتوكيد حيث طال الكلام. الثاني - ليدل انه رآهم ورأى سجودهم، وفي معنى سجودهم قولان:

احدهما - هو السجود المعروف على الحقيقة تكرمة له لا عبادة له.

الثاني - الخضوع - في قول ابي علي - كما قال الشاعر:
ترى الا كم فيه سجدا للحوافر   
وهو ترك للظاهر، وقال الحسن: الاحد عشر اخوته، والشمس والقمر أبواه، وانما قال ساجدين بالياء والنون، وهو جمع ما لا يعقل، لأنه لما وصفها بفعل ما يعقل من السجود أجرى عليها صفات ما يعقل، كما قاليا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } لما أمروا امر من يعقل.

و { كوكباً } منصوب على التمييز و { أَحد عشر } الاسمان جعلا اسماً واحداً، وكذلك الى تسعة عشر، واللغة الجيدة عند البصريين فتح العين، وحكي سكون العين، وحكى الزجاج احدى عشر وهي لغة ردية.